عن فاطمة الزهراء (عليها السلام): «مَن أصعَدَ إلَى اللّهِ خالِصَ عِبادَتِهِ أهبَطَ اللّهُ إلَيهِ أفضَلَ مَصلَحَتِهِ».[1]
الإخلاص هو العنوان الذي تتوقف عليه صحة العبادة، فلو أشرك الانسان مع العبادة بشيء من الرياء ولم يأت به لله عز وجل خالصا لم تكن عبادته صحيحة، وهو يعني تجريد القصد والفعل من كل شائبة وعن كل غاية سوى الله عز وجل.
وقد ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) في قَوْلِ الله تَعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ قَالَ: «لَيْسَ يَعْنِي أَكْثَرَ عَمَلاً ولَكِنْ أَصْوَبَكُمْ عَمَلاً وإِنَّمَا الإِصَابَةُ خَشْيَةُ الله والنِّيَّةُ الصَّادِقَةُ والْحَسَنَةُ - ثُمَّ قَالَ - الإِبْقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ حَتَّى يَخْلُصَ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ والْعَمَلُ الْخَالِصُ الَّذِي لَا تُرِيدُ أَنْ يَحْمَدَكَ عَلَيْه أَحَدٌ إِلَّا الله عَزَّ وجَلَّ والنِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ أَلَا وإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْعَمَلُ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَه عَزَّ وجَلَّ: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ يَعْنِي عَلَى نِيَّتِه».[2]
وكلامه الامام يدلنا على أمر مهم وهو العلامة التي يمكننا من خلالها معرفة درجة الإخلاص، وهو الاهتمام أو التأثر بثناء الناس على عملك، وفي الحديث الوارد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «إن لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً، وَما بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِخلاصِ حَتّى لا يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى شَيء مِنْ عَمَل لله».[3] فحقيقة الإخلاص تخليص نيّة الإنسان وعمله من شائبة غير الله تعالى.
ويتحقّق الإخلاص من خلال إزالة المانع الذي يحول دون تحقّقه، أي هوى النفس. فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «كيف يستطيع الإخلاص من يغلبه الهوى».[4]
والهوى هو حبّ النفس واتّباع الأوامر الصادرة منها، وهو ما يُعتبر شركاً، لأنّ المُطاع فيه هو نفس الإنسان وليس الحقّ عزّ وجلّ. إنّ اتّباع الهوى يؤدّي بالإنسان إلى الضّلال عن سبيل الله عزّ وجلّ وصراطه المستقيم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾. [5]
قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾،[6] فإن حبّ النفس يؤدّي إلى طاعتها واتّباع أوامرها، واتّباع أوامرها يعني أنّ المُطاع ليس الله تعالى، ممّا يكون سبباً في وقوع الإنسان في المعصية والمخالفة لأوامر الحق عزّ وجلّ، وبالتالي البعد عن الله والحرمان من الهداية.
وهذا الاخلاص لا يتحقّق إلا عند من كان محبّاً لله عزّ وجلّ بحيث لا يبقى لحبّ الدنيا وحبّ النفس والتعلّق بشهواتها وملذّاتها وسمعتها وجاهها ومناصبها في قلبه قرار.
وهناك أمرٌ آخر يساعد أيضاً على تحقّق الإخلاص وهو اليقين. لأنّ الإخلاص لله هو وليد الإيمان واليقين العميق بالمعارف الإلهيّة، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: «الإخلاص ثمرة اليقين». [7]
ويترتب عليه الرغبة في هذا الذي تيقن به ومن خلاله يتحقق الاخلاص، فعن أمير المؤمنين (ع): «من رغب فيما عند الله أخلص عمله».[8]
ختاما، نبارك لصاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف) ولولي أمر المسلمين وللمجاهدين ذكرى الولادة العطرة لسيدة نساء العالمين (عليها السلام) وولادة حفيدها الامام الخميني (قدس سره).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي،ج68،ص:184.
[2] الكافي، الشيخ الكليني ، ج2، ص:16.
[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي،ج69،ص:304.
[4] ميزان الحكمة،محمد الريشهري، ج1، ص:759.
[5] سورة ص، مقطع من الآية: 26.
[6] سورة النازعات، الآيتان:40-41.
[7] ميزان الحكمة،محمد الريشهري، ج1، ص:758.
[8] ميزان الحكمة،محمد الريشهري، ج1، ص:759.