عن الإمامِ الحسينِ بنِ عليٍّ (عليهما السلام) لمّا برز عليٌّ الأكبرُ للقتالِ في كربلاء: «اللهمّ اشهدْ على هؤلاء، فقد برز إليهم أشبهُ النّاسِ برسولِكَ محمّدٍ خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً. وكنّا إذا اشتقنا إلى رُؤيةِ نَبيِّكَ نَظرنا إليه»[1].
لقد اعتنى الإسلامُ بمرحلةِ الشبابِ في عمرِ الإنسان، فهي مرحلةُ البناءِ والعطاء، والتي ينبغي الاستفادةُ منها ما أمكن، ففي وصيّةِ رسولِ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأبي ذَرّ: «اغتنم خمساً قبلَ خمس: شبابَكَ قبلَ هرمِك...»[2].
والعلمُ والتعلُّمُ أفضلُ عملٍ للشباب؛ لأنّه به يُحفَظُ به، كما ورد عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «لَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَى الشَّابَّ مِنْكُمْ إِلَّا غَادِياً فِي حَالَيْنِ: إِمَّا عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَرَّطَ، فَإِنْ فَرَّطَ ضَيَّعَ، وَإِنْ ضَيَّعَ أَثِمَ، وَإِنْ أَثِمَ سَكَنَ النَّارَ، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِالْحَقِّ»[3].
ثم تأتي بعد ذلك صفةُ الطاعةِ للهِ عزَّ وجلَّ، فقد رُويَ عن رسولِ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): «مَا مِنْ شَابٍّ يَدَعُ لِلَّهِ الدُّنْيَا وَلَهْوَهَا، وَأَهْرَمَ شَبَابَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ صِدِّيقاً»[4]. ومِن تجلّيات هذه الطاعة العبادةُ للهِ -عزَّ وجلَّ- بما تحمِلُهُ مِن معرفةٍ وخضوعٍ للحقِّ تعالى، فقد روي عن رسولِ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): «إنّ اللهَ تعالى يباهي بالشابِّ العابدِ الملائكةَ، يقول: اُنظُروا إلى عبدي! تَرَكَ شهوتَهُ مِن أجْلي»[5].
ومن العناصرِ المهمّةِ في الشبابِ العطاءُ والبذلُ، وأهمّها بذلُ النفوسِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولذا كان عليُّ الأكبرُ بنُ الإمامِ الحسينِ نموذجاً وقدوةً للشبابِ بما قدّمه بين يدَي والدِه. يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظه المولى): «مَن كان مظهرَ الشابِّ المضحّي في كربلاء؟ عليٌّ الأكبر، نجلُ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)؛ الشّابُّ الذي كان بارزاً ونموذجيّاً بين شبابِ بني هاشم؛ الشابُّ الذي جَمع بين صفاتِ الجمالِ الظاهريِّ والباطنيّ؛ الشّابُّ الذي كان يملكُ المعرفةَ الحقيقيّةَ لإمامةِ وولايةِ الحسينِ بنِ عليٍّ (عليه السلام)، ويحوزُ الشجاعةَ والجهوزيّةَ والتضحيةَ مِن أجلِ مجابَهةِ شقاءِ العدوّ، والذي بَذَلَ طاقتَه ونشاطَه وشبابَه مِن أجلِ بلوغِ هدفِه ومبتغاهُ الرّفيع. لهذا الأمرِ قيمةٌ بالغة. هذا الشابُّ النموذجيُّ والخارقُ للعادة، برزَ للعدوِّ أمامَ أعيُنِ والدِهِ والنساءِ اللواتي كُنّ قلقاتٍ عليه، وعاد جسدُه الملطّخُ بالدماءِ إلى الخيام. مصيبةٌ كهذهِ ليست بالأمرِ الهيّن؛ لكنْ توجُّهُه نحو الميدانِ، والاستعدادُ للمبارَزة، تُجسِّدُ للمسلمِ العزّةَ، والعظمة، والافتخار، والمباهاة؛ وهذا هو دليلُ قولِ اللهِ عزّ وجلّ: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾[6]. الحسينُ بنُ عليٍّ (عليه السلام) أَظهَرَ أيضاً معنى العزّةِ المعنويّةِ بإرسالِهِ لهذا الشابِّ إلى ساحةِ الحرب؛ أي أنّه يُمسِكُ بقوّةٍ رايةَ رفعةِ الإسلام، وحاكميّتِهِ التي تُوضح الحدودَ بين الإمامةِ الإسلاميةِ والسلطةِ الطاغوتية، ولو كان ثمنُ ذلك بذلَ روحِ عزيزِهِ الفتى الشابّ».
وما زال شِعرُ عليِّ الأكبرِ في كربلاءَ خالداً في الحماسةِ والعطاء، وهو يقول:
أنا علـــــيُّ بنُ الحسينِ بنِ علي نحن وَرَبِّ البيتِ أَولـــــــى بالنبي
تاللهِ لا يَحكُمُ فينا ابنُ الدعي أَضرِبُ بالسيفِ أحامي عن أبي
ضربَ غلامٍ هاشميٍّ قرشي
نباركُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجل الله تعالى فرجَه)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى ولادةِ عليٍّ الأكبر، في الحادي عشر من شهرِ شعبان، من العام 33 من الهجرةِ النبويّة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ جعفر البياتي، الأخلاق الحسينيّة، ص120.
[2] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص526.
[3] المصدر نفسه، ص303.
[4] المصدر نفسه، ص535.
[5] نهج الفصاحة (مجموعة كلمات قصار رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، ص303.
[6] سورة المنافقون، الآية 8.