عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلامُ) في نهج البلاغة: «قَدْ أذِنَ لَكَ فِي الدُّعاءِ، وتَكَفَّلَ لَكَ بِالإِجابَةِ، وأمَرَكَ أن تَسأَلَهُ لِيُعطِيَكَ، وَتستَرحِمَهُ لِيَرحَمَكَ، ولَم يَجعَل بَينَكَ وبَينَهُ مَن يَحجُبُكَ عَنهُ»[1].
إنّ خصوصيّةَ الشهرِ الذي انقضى، وهو شهرُ رمضان، تتمثّلُ بأبوابِ الاستجابةِ التي فتحَها اللهُ عزَّ وجلَّ لعبادِه. والتعبيرُ الواردُ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) يشيرُ إلى بعضِ خصائصِ تلكَ العلاقةِ بين العبدِ وربِّه، ووتمثّلُ بـ:
1. الإذنُ الواضحُ في ذلك، وما يترتّبُ عليه من ضمانِ الاستجابة، ويجمَعُها قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿وقال ربُّكُمْ ادْعُوني أسْتجبْ لكُمْ﴾[2].
وعن النبيِّ (صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم): «يَدخُلُ الجَنَّةَ رَجُلانِ كانا يَعمَلانِ عَمَلاً واحِداً، فَيَرى أحَدُهُما صاحِبَهُ فَوقَهُ، فَيَقولُ: يا رَبِّ، بِما أعطَيتَهُ وكانَ عَمَلُنا واحِداً؟ فَيَقولُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى: سَأَلَني، ولَم تَسأَلْني»[3].
2. السؤال؛ أي تحديدَ الحاجة، والسائلُ هو المحتاجُ الذي يطلبُ سدَّ نقصٍ لديه. ولا ينبغي أن يُصابَ الإنسانُ باليأس، فقد رُويَ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «اُدْعُ، وَلَا تَقُلْ: إِنَّ الْأَمْرَ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ. إِنَّ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةً لَا تُنَالُ إِلَّا بِمَسْأَلَةٍ»[4].
3. طلبُ الرحمةِ لمواجهةِ البلاء، فحياةُ الإنسانِ ساحةٌ للإصابةِ بأنواعِ الابتلاءات، ومِن هذه الابتلاءاتِ ما لا يمكنُ للإنسانِ أن يدفعَهُ عن نفسِهِ من خلالِ التمسُّكِ بوسائلَ دنيويةٍ ومادية، ولا يجدُ مِن سبيلٍ للخلاصِ منهُ إلّا مِن خلالِ الرجوعِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ.
ورد في الروايةِ عن الإمامِ الكاظمِ (عليه السلام): «عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ؛ فَإِنَّ الدُّعَاءَ لِلَّهِ، وَالطَّلَبَ إِلَى اللَّهِ، يَرُدُّ الْبَلَاءَ وَقَدْ قُدِّرَ وَقُضِيَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا إِمْضَاؤُهُ، فَإِذَا دُعِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُئِلَ، صَرَفَ الْبَلَاءَ صَرْفَةً»[5].
وعن الإمامِ الصادقِ (عليه السلامُ) لأصحابه: «هَلْ تَعْرِفُونَ طُولَ الْبَلَاءِ مِنْ قِصَرِهِ؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: إِذَا أُلْهِمَ أَحَدُكُمُ الدُّعَاءَ عِنْدَ الْبَلَاءِ؛ فَاعْلَمُوا أَنَّ الْبَلَاءَ قَصِيرٌ»[6].
4. لا حجابَ بينَ العبدِ وربِّه، فهو قريبٌ، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[7].
وما يقعُ الإنسانُ فيهِ هوَ أن يَخلقَ حجاباً مع ربِّه، فقد رُويَ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَسْأَلَ رَبَّهُ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ، فَلْيَيْأَسْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَلَا يَكُونُ لَهُ رَجَاءٌ إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ، فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِهِ، لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ»[8].
نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يكتُبَ للصائمينَ في هذا الشهرِ عملاً مقبولاً زاكياً خالصاً، وفي دعاءِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلامُ) في وداعِ شهرِ رمضان: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتنَا بِشَهْرِنَا، وَبَارِكْ فِي يَوْمِ عِيْدِنَا وَفِطْرِنَا، وَاجْعَلْهُ مِنْ خَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْنَا، أَجْلَبِهِ لِعَفْو، وَأَمْحَاهُ لِذَنْبِ، وَاغْفِرْ لَنا ما خَفِيَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَا عَلَنَ»[9].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، (تحقيق صبحي الصالح)، ص399.
[2] سورة غافر، الآية 60.
[3] ابن فهد الحليّ، عدة الداعي ونجاح الساعي، ص42.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص466.
[5] المصدر نفسه، ج2، ص470.
[6] المصدر نفسه، ج2، ص471.
[7] سورة البقرة، الآية 186.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص148.
[9] الصحيفة السجّاديّة، ص202، الدعاء 45 في وداع شهر رمضان.