عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في كتابٍ له إلى معاوية: «أَلَا تَرَى غَيْرَ مُخْبِرٍ لَكَ، وَلَكِنْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ أُحَدِّثُ أَنَّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلِكُلٍّ فَضْلٌ، حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ: سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَخَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ»[1].
حمزةُ الذي بإسلامِهِ الذي أعلَنَهُ جهاراً في وجهِ قريش؛ كان درعاً حامياً لرسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) قبلَ الهجرة، شاركَ آلَ أبي طالبٍ في حصارِ الشِعب، وكان بطلاً للإسلامِ بعدَ الهجرة. وله خصائصُ نشيرُ إليها:
إعلانُهُ إسلامَهُ عَلَناً في وجهِ قريشٍ التي لم تجرُأ على المسِّ به لشدّتِهِ وصلابتِهِ وقوّتِه، وقد رُويَ عن عليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) أنه قال: «لَمْ يُدْخِلِ الْجَنَّةَ حَمِيَّةٌ غَيْرُ حَمِيَّةِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ غَضَباً لِلنَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله)»[2].
صاحبُ أوّلِ سريّةٍ بَعَثَ بها النبيُّ (صلى الله عليه وآله) بعدَ الهجرةِ إلى المدينة، حينما بعثَهُ في 30 راكباً، نصفُهُم من المهاجرين ونصفُهم من الأنصار، فبلغوا سيفَ البحرِ لمواجهةِ قافلةِ قريش، قد جاءت من الشام.
النموذجُ الذي أرادَهُ النبيُّ (صلى الله عليه وآله). يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظه المولى): «يبدو أنّ الرسولَ الأكرمَ (صلى الله عليه وآله) نَفسَهُ أراد أن يجعلَ منهُ قدوةً منذُ اللحظةِ الأولى التي استُشهدَ فيها، حين أعطاهُ لقبَ «سيّد الشهداء». وبعد ذلك [عندما] دخلوا المدينةَ، ورأَوا نساءَ الأنصارِ يبكينَ ويحزَنّ.. فقال: «حمزةُ لا بواكيَ له!»[3] وَصَلَ هذا الخبرُ إلى نساءِ المدينة، وقالت كلُّ واحدةٍ إننا سنبكي على حمزةَ (عليه السلام) قَبلَ أن نبكيَ على شهيدِنا. لقد حثَّهُنَّ الرسولُ (صلى الله عليه وآله)، أيْ جَعَلَ كلَّ المدينةِ [تبكي عليه]. أحدثَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله) ضجّةً في أنحاءِ المدينةِ كافّةً، مِن أجلِ حمزةَ (عليه السلام). ماذا يعني هذا؟ هذا [يعني] أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) يريدُ إبرازَ حمزةَ (عليه السلام). إنه سيّدُ الشهداءِ (عليه السلام)، وهو الشخصُ الذي يجبُ أن يبكيَهُ الجميع. هذه هي صناعةُ الأنموذج، ليس لذلك اليومِ فقط، وإنما إلى الأبد، ولجميعِ المسلمين».
عظمةُ حمزةَ في أمرَين، هما العزمُ والمعرفة. يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظه الله): «ما يتعيّنُ علينا فِعلُهُ هو تحديدُ العناصرِ المكوِّنةِ لشخصيةِ حمزةَ (عليه السلام)، في رأيي، اثنان مِن هذه العناصرِ المهمّةِ التي تشكّلُ شخصيّتَهُ هما: أوّلاً «العزمُ الراسخ»، وثانياً «قدرةُ المعرفة» ... العزم الراسخ! أحياناً يكونُ الإنسانُ على عِلمٍ بشيءٍ ما، أو يَقبَلُ شيئاً ما أيضاً، فيؤمنُ به، لكنّهُ لا يتصرّفُ وفقاً لذلكَ بسببِ ضَعفِ النفس. الإرادةُ القويةُ والعزمُ الراسخُ هنا عنصرٌ مُحدّدٌ أنَّ هذا الشخصَ [يتصرّفُ] بعزمٍ راسخ. ذاكَ اليومُ الذي اعتنقَ حمزةُ (عليه السلامُ) فيه الإسلامَ، كان مِن أصعبِ أوقاتِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله).. يصرخُ هذا الشخصُ في المسجدِ الحرامِ بجوارِ الكعبة: لقد أسلمتُ، وليعلم الجميعُ أنّني مؤمنٌ بدِينِه!».
وكانت شهادةُ حمزةَ في معركةِ أُحُد في الخامسَ عَشَرَ مِن شهرِ شوّال، مِن السنةِ الثالثةِ للهجرة.
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص386، الكتاب 28.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص308.
[3] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص183.