عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ مِنْ نِعْمَةٍ، فَعَرَفَهَا بِقَلْبِهِ، وَحَمِدَ اللَّهَ ظَاهِراً بِلِسَانِهِ، فَتَمَّ كَلَامُهُ؛ حَتَّى يُؤْمَرَ لَهُ بِالْمَزِيدِ»[1].
لقد أثنى اللهُ عزَّ وجلَّ على مَن كان مِن عبادِهِ شاكراً للنعم، فقال تعالى في كتابِهِ الكريمِ واصفاً نبيَّهُ إبراهيمَ (عليه السلام): ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[2]، فالشكرُ للنعمةِ يؤهِّلُ الإنسانَ ليكونَ مِن أهلِ الاصطفاءِ والاجتباء.
وفي حديثِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلامُ) أعلاه، إشارةٌ إلى مراحلِ الشكر، فهو أوّلاً يتوقّفُ على معرفةِ النعمةِ بالقلب، والمرادُ أن يَشعرَ بهذه النعمةِ في حياتِه، ويدركَ بوجدانِهِ عظيمَ هذه النعمةِ عليه، وأثرَها على حياتِه، فقد رُويَ عن الإمامِ العسكريِّ (عليه السلام): «لَا يَعْرِفُ النِّعْمَةَ إِلَّا الشَّاكِرُ، وَلَا يَشْكُرُ النِّعْمَةَ إِلَّا الْعَارِفُ»[3].
كما أنّ مِن مظاهرِ الشكرِ حمدَ اللهِ، والثناءَ عليه عندَ معرفةِ النعمة، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ، صَغُرَتْ أَوْ كَبُرَتْ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ إِلَّا أَدَّى شُكْرَهَا»[4].
ومِن مظاهرِهِ السجودُ للهِ عزَّ وجلَّ بنيّةِ الشكرِ له، فقد روي عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ فِي سَفَرٍ يَسِيرُ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، إِذْ نَزَلَ فَسَجَدَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ، فَلَمَّا أَنْ رَكِبَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ شَيْئاً لَمْ تَصْنَعْهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، اسْتَقْبَلَنِي جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)، فَبَشَّرَنِي بِبِشَارَاتٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ شُكْراً لِكُلِّ بُشْرَى سَجْدَةً»[5].
يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قدس سره): «الشكرُ هو عبارةٌ عن تقديرِ نعمةِ المُنعِم، وتَظهَرُ آثارُ هذا التقديرِ في القلبِ بصورةِ الخضوعِ والخشوعِ والمحبّةِ والخشيةِ وأمثالِها، وعلى اللسانِ بصورةِ الثناءِ والمدحِ والحمد، وفي الأفعالِ والأعمالِ بصورةِ الطاعةِ واستعمالِ الجوارحِ في رضا المنعِم».
وقد وَرَدَ في الكثيرِ من الرواياتِ الحثُّ على الشكرِ مِن خلالِ أداءِ حقِّ النعمة، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً، فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا، وَمَنْ قَصَّرَ فِيهِ خَاطَرَ بِزَوَالِ نِعْمَتِهِ»[6].
ويؤكّد علماءُ الأخلاقِ على أنَّ الشُّكْرَ صَرفُ العَبدِ جَمِيعَ مـا أَنْعَمَهُ اللهُ -تَعـالى- فِي مـا خُلِقَ لأجلِه، وبهذا يكونُ كفرانُ النعمةِ هو صرفَها في غيرِ ما أَمرَ اللهُ به، فقد وَرَدَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لله، أَلَّا تَسْتَعيِنُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ»[7].
وقد أثنى اللهُ عزَّ وجلَّ على عبدٍ بَلَغَ الأربعين، فكانَ مِنَ الشاكرين. وبهذا وَصَفَ اللهُ عزَّ جلَّ الإنسانَ في بيانِ مراحِلِه، لا سيما عندما يبلغُ الأربعينَ مِن عمرِه، قال تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾[8].
ولذا، فإنَّ إطلاقَ الأربعينَ ربيعاً مِن عمرِ المقاومةِ الإسلاميةِ في لبنانَ، قوامُها التوجُّهُ بالشكرِ للهِ عزَّ وجلَّ على نعمةِ التوفيقِ والنصرِ المؤزَّر.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص95.
[2] سورة النحل، الآيتان 120-121.
[3] الشيخ الديلميّ، أعلام الدين في صفات المؤمنين، ص313.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص96.
[5] المصدر نفسه، ج2، ص98.
[6] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص511، الحكمة 244.
[7] المصدر نفسه، ص533، الحكمة 330.
[8] سورة الأحقاف، الآية 15.