عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنَّ المَرءَ يَحتاجُ في مَنزِلِهِ وَعِيالِهِ إِلى ثَلاثِ خِلالٍ يَتَكَلَّفُها، وَإِن لَم يَكُن في طَبعِهِ ذلِكَ: مُعاشَرَةٌ جَميلَةٌ، وَسَعَةٌ بِتَقديرٍ، وَغَيرَةٌ بِتَحَصُّنٍ»[1].
لقدْ حثَّ الإسلامُ على بناءِ الأسرةِ على أساسِ تقوى اللهِ عزَّ وجلَّ، والتي تبدأُ من كونِ هذه البيوتِ الجديدةِ مقرونةً بذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ. يقولُ الإمامُ الخامنئيّ (دام ظلّه): «ينبغي لتشكيلِ الأسرةِ أنْ يكونَ تجديدَ عهدٍ معَ اللهِ المتعال، بمعنى أنْ يستحضرَ كلُّ إنسانٍ العهدَ الذي عاهدَهُ للهِ تعالى، ويراعي اللهَ سبحانه بهِ في الخطوةِ الأولى من مرحلةِ الزواج. لذا، فإنَّه منَ السهلِ جدًّا أنْ يحصلَ الإنسانُ على الأجرِ أيضًا عن طريقِ هذا الإقدامِ والعملِ اللذَينِ تقتضيهما طبيعتُه وحاجتُه؛ لأنَّه سُنَّةٌ، وقد أقدمَ على هذا العملِ بهدفِ أداءِ سُنَّةِ الرسولِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه) وطاعةِ أمرِه».
ولأنَّ هذا الزواجَ نعمةٌ أنعمَ اللهُ بها على الإنسان، فهي تستوجبُ شكراً، وشكرُها كما يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ يكون: «بالحفاظِ على رابطةِ الزواجِ قويّةً ومُحكمة، وبعدمِ السماحِ للمشاكلِ والأحداثِ، والضغائنِ، والانتقاداتِ غيرِ البنّاءةِ، والجدالاتِ الكثيرةِ والنفقاتِ المضِرَّةِ، بأنْ تزلزلَ هذه الرابطةَ وهذه المؤسّسةَ العائليّة».
وفي الروايةِ المذكورةِ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) إشارةٌ إلى أمورٍ ثلاثةٍ على الإنسانِ أنْ يسعى لتحقيقِها ولو بتدريبِ نفسِهِ عليها، وتمكينِها من القيامِ بها أحسنَ قيام، وهي:
1. حُسْنُ العِشرة: فالمعاملةُ الحَسنةُ هي بابُ تماسُكِ الأسرة، وهي صفةٌ لأهلِ الخير، فقدْ وردَ في الروايةِ عن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه): «اتّقوا اللهَ في الضعيفَين: اليتيمُ والمرأةُ، فإنَّ خيارَكم، خيارُكُم لأهلِه»[2]. ومِن أهمِّ مظاهرِ العِشرةِ الحسَنةِ هي العنايةُ والاهتمامُ اللذَينِ تلقاهُما الأسرةُ، واللذَينِ يتحقّقانِ بالحضورِ بين أفرادِها، ففي الروايةِ عن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه): «جلوسُ المرءِ عند عيالِه أحبُّ إلى اللهِ تعالى مِنَ اعتكافٍ في مسجدي هذا»[3].
2. السَعَةُ المدروسة: وردَ في الكثيرِ من الرواياتِ الحثُّ على طلبِ الرزقِ للعيال، وأنَّ الكادَّ على عيالِه كالمجاهدِ في سبيلِ الله. ومِن صفاتِ صاحبِ الخُلُقِ الحَسَنِ أنْ يوسِّعَ مِن رزقِ اللهِ عليهِ على عيالِه، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «حُسْنُ الْخُلُقِ في ثَلاثٍ: اِجْتِنابُ الْمَحارِمِ، وَطَـلَبُ الْحَلالِ، وَالتَّـوَسُّعُ عَلَى الْعِيالِ»[4].
مَعَ ملاحظةِ أنْ لا يخرجَ ذلك إلى حدَّي الإسرافِ أو التبذير، أو أنْ يكونَ سبباً في إيجادِ مساوئَ اجتماعيّةٍ أخرى كالاتكاليّةِ والكسلِ بين أفرادِ الأسرة.
3. الغَيرة: وهي الخِصلةُ الممدوحةُ في الرجل، وتشملُ الحفاظَ على الأسرةِ، وتحصينَها من المعاصي، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) -فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَ﴾[5]، كَيْفَ نَقِي أَهْلَنَا؟- قَالَ: «تَأْمُرُونَهُمْ وَتَنْهَوْنَهُمْ»[6].
إنَّ بركةَ الزواجِ تكونُ بالعملِ بالوظائفِ من الزوجَين؛ يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «أحدُ الأمورِ التي تجعلُ العَقْدَ مباركًا، هو أنْ يشعرَ كلٌّ من المرأةِ والرجلِ بأنَّ عليهما في هذهِ المرحلةِ الجديدةِ منَ الحياةِ وظائفَ ينبغي لهما أداؤها. ادخلوا هذه المرحلةَ الجديدةَ من الحياةِ بهذا الإحساس. إنَّ الزوجَينِ في الحياةِ الأسريّةِ مكمّلانِ لبعضِهما الآخر، ولا واحدَ منهما كاملٌ من دونِ الآخر. لا تظنّوا أنَّ أحدَهما هو الأصل، والثاني هو الفرع».
ختاماً، نباركُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، ولوليّ أمرِ المسلمينَ، وللمجاهدينَ جميعاً ذكرى زواجِ النورَينِ وأسبوعِ الأسرة.
[1] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، ص322.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج76، ص268.
[3] الأمير ورّام، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، ج2، ص122.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج68، ص394.
[5] سورة التحريم، الآية 6.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص62.