مِن دعاءِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) يومَ عرفة: «اللّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشاكَ كَأَنِّي أَراكَ، وَأسْعِدْنِي بِتَقْواكَ، وَلا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْ لِي فِي قَضائِكَ، وَبارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ، حَتَّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أَخَّرْتَ، وَلا تَأْخِيرَ ما عَجَّلْتَ»[1].
يبيّنُ الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) في هذه الفقرةِ من الدعاءِ كيف يرسمُ الإنسانُ علاقتَهُ باللهِ عزّ وجلّ، وكيف يمكنُ للإنسانِ أن يوجّهَ هذه العلاقةَ بالنحوِ المفيدِ والمثمر، والمتمثّلِ بخطواتٍ أربع:
1. الخشيةُ من اللهِ عزّ وجلّ: الخوفُ إذا كان له منشأٌ عقلائيٌّ، لا يكونُ مذموماً، بل يكونُ ممدوحاً، ومِن مصاديقِ ذلك الخوفُ من الله، وهذا الخوفُ عندما يكونُ مِن بابِ الشعورِ بعظمةِ مَن تخافُ منهُ وهيبتِهِ، يكونُ خشيةً مطلوبة. وفي علاقةِ الإنسانِ باللهِ عزّ وجلّ، الخشيةُ مطلوبة، فعن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «خَفِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي أَنَّهُ يَرَاكَ فَقَدْ كَفَرْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَاكَ ثُمَّ اسْتَتَرْتَ الْمَخْلُوقِينَ بِالْمَعَاصِي وبَرَزْتَ لَهُ بِهَا، فَقَدْ جَعَلْتَهُ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكَ»[2].
وللخوفِ من اللهِ علاماتٌ، منها انكسارُ القلوبِ وخشيتُها الدَّائمةُ من الله، واتِّهامُ النَّفسِ دائماً بالتَّقصير، وقلَّةُ الكلام، وعدمُ الخوفِ من النَّاس، والمسارعةُ والمسابقةُ نحو أفضلِ الأعمالِ الصَّالحة، وعدمُ الرِّضا بالأعمالِ العاديَّة. فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً كَسَرَتْ قُلُوبَهُمْ خَشْيَةُ اللَّهِ، فَاسْتَنْكَفُوا عَنِ الْمَنْطِقِ، وَإِنَّهُمْ لَفُصَحَاءُ بُلَغَاءُ أَلِبَّاءُ نُبَلَاءُ، يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ، لَا يَسْتَكْثِرُونَ لَهُ الْكَثِيرَ، وَلَا يَرْضَوْنَ لَهُ الْقَلِيلَ»[3].
2. التقوى سعادةٌ: إذا كان ميزانُ السعادةِ أن يكونَ عملُ الإنسانِ مقبولاً عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فإنّ بابَ القبولِ هو التقوى، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[4].
وعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «صِفَتَانِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْأَعْمَالَ إِلَّا بِهِمَا: التُّقَى وَالْإِخْلَاص»[5].
3. المعصيةُ شقاءٌ: إذا كان الإنسانُ يسعى لعدمِ الوقوعِ في الشقاء، فإنّ مفتاحَهُ مخالفةُ الهوى، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أَلَا وَإِنَّ أَسْعَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا مَنْ عَدَلَ عَمَّا يَعْرِفُ ضَرَّهُ، وَإِنَّ أَشْقَاهُمْ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ»[6].
والشقاءُ بالمعصيةِ يودي بالإنسانِ إلى بلاءاتِ الدنيا، ففي الروايةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «تَوَقَّوُا الذُّنُوبَ، فَمَا مِنْ بَلِيَّةٍ وَلَا نَقْصِ رِزْقٍ إِلَّا بِذَنْبٍ، حَتَّى الْخَدْشِ وَالنَّكْبَةِ وَالْمُصِيبَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ يَقُولُ ﴿ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾[7]»[8].
4. التسليمُ للهِ عزّ وجلّ: وهو من أركانِ الإيمانِ الحقيقيّ، فعن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنِ اللَّهِ فِيمَا صَنَعَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَصَنَعَ بِهِ عَلَى مَا أَحَبَّ وَكَرِهَ»[9].
والإنسانُ الذي يعيشُ حالةَ التسليمِ هذه، يكونُ سعيداً، ففي الروايةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّ أَهْنَأَ النَّاسِ عَيْشاً، مَنْ كَانَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ رَاضِياً»[10].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص577.
[2] الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (عليه السلام)، ص382.
[3] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج12، ص199.
[4] سورة المائدة، الآية 27.
[5] الآمديّ، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص155.
[6] نصر بن مزاحم، وقعة صفّين، ص108.
[7] سورة الشورى، الآية 30.
[8] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص106.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص8.
[10] الآمديّ، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص393.