عن ابنِ عبّاس، وحذيفة، وأبي ذر، وغيرِهم، أنهم قالوا: والله، ما برحنا مِن مكانِنا ذلك [غدير خُم] حتى نزلَ جبرئيلُ بهذه الآيةِ عن اللهِ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينا﴾[1]. فقال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله): «اللهُ أكبرُ على إكمالِ الدِّين، وإتمامِ النعمة، ورضا الربِّ سبحانَهُ وتعالى برسالتي إليكم، والولايةِ لعليِّ بنِ أبي طالبٍ بَعدي»[2].
لقد كانت حادثةُ الغديرِ مفصلاً في التاريخِ الإسلاميّ، وحملتْ هذه الحادثةُ دلالاتٍ ما زالت حاضرةً في المجتمعِ الإسلاميّ. ويشيرُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظه المولى) في خطاباتٍ متعدّدةٍ إلى هذه الحادثة، ومن الخصائصِ التي يذكرُها للغدير:
1. تربية الانسان: «إنّ الغايةّ مِن بعثةِ جميعِ الأنبياء، هي تعليمُ الإنسانِ وتزكيتُه، وقد قام خاتمُ الأنبياءِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، مِن أجلِ ديمومةِ هذا التحرّكِ وخلودِهِ، بتنصيبِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) خليفةً له، لكي تتواصلَ التربيةُ التدريجيةُ للبشريةِ على يدِ الأئمّةِ المعصومينَ (عليهم السلام)، من خلالِ الحكومةِ الإسلامية، حتى يتمكّنَ المجتمعُ البشريُّ مِن بلوغِ نقطةِ بَدءِ حياتِهِ الحقيقية».
2. الولايةُ ضمانةُ التطبيق: «عبّرت آثارُنا الإسلاميةُ عن يومِ الغديرِ بتعابيرَ مِن قبيل «عيدُ اللهِ الأكبر»، و«يومُ العهد»، و«يومُ الميثاقِ المأخوذ»، وهو ما يعكسُ وجودَ اهتمامٍ وتأكيدٍ خاصٍّ لهذا اليومِ الشريف، وأهمُّ ما يميّزُ هذه التعابيرَ هو موضوعُ الولاية. إنّ الضمانةَ الوحيدةَ لتبطيقِ أحكامِ الإسلامِ هو وجودُ الحكومةِ الإسلاميةِ المؤمنةِ بسيادةِ أحكامِ القرآن».
3. إقامةُ العدل: «قضيّةُ الغديرِ بهذا المفهومِ السامي، تخصُّ المسلمينَ جميعاً؛ لأنها تعني حاكميةَ العدلِ وحاكميةَ الفضيلةِ وحاكميةَ ولايةِ الله. وإذا ما أردنا أن نكونَ مِنَ المتمسّكينَ بولايةِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلامُ) حقّاً، فعلينا أن نقتربَ بأنفسِنا وأجواءِ حياتِنا من العدل، وأفضلُ مثالٍ على ذلك أن نعملَ على إقرارِ العدلِ ما استطعنا، لأنّ مدياتِ العدلِ لا حدودَ لها، وحيثما استطعنا إقرارَ العدلِ في المجتمع، سنزدادُ قُرباً لأميرِ المؤمنين، وتمسُّكاً بولايتِه».
4. يأسُ الكفار: «هذه الآيةُ المعروفة ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينً﴾[3]، التي نزلتْ في أوائلِ سورةِ المائدة؛ آيةٌ لا يمكنُ تطبيقُها مع أيِّ مسألةٍ أخرى منَ المسائلِ التي لا يمكنُ أن تعادلَ مسألةَ الغديرِ في وزنِها وأهمّيّتِها وحجمِها. مسألةُ الغديرِ هي الوحيدةُ التي يمكنُ أن يُعبَّرَ عنها هكذا: ﴿اليوم يئس الذين كفروا من دينكم﴾. فما الذي أُضيفَ على الدِّينِ حتى جعلَ العدوَّ ييأس؟ تلك الأحكامُ التي جاءت في هذهِ الآيةِ في أوّلِ سورةِ المائدة، قَبل هذه الفقرةِ وبعدها، ما مدى أهمّيّتِها حقًّا؟ لم يأتِ هذا التعبيرُ بشأنِ الصلاةِ ولا الزكاةِ ولا الجهاد؛ لم يُستخدَمْ هذا التعبيرُ حولَ أيٍّ من الأحكامِ الإلهيةِ الفرعية، بأنه ﴿اليوم يئس الذين كفروا من دينكم﴾؛ إذا، فهذه قضيّةٌ مختلفة، وهي ليست كتلكَ الأحكامِ الفرعية. ما هي تلكَ القضيّة؟ إنها قضيّةُ قيادةِ المجتمعِ الإسلاميّ؛ قضيّةُ نظامِ الحُكمِ والإمامةِ في المجتمعِ الإسلاميّ».
ختاماً، نبارِكُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجل الله تعالى فرجه)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى عيدِ اللهِ الأكبر.
[1] سورة المائدة، الآية 3.
[2] راجع: الحسكانيّ، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، ج1، ص201.
[3] سورة المائدة، الآية 3.