بسم الله الرحمن الرحيم
في الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة 10 للهجرة كانت المباهلة بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصارى نجران على حدود اليمن، والتي كانت تمثل في حينه عاصمة النصرانية العالمية، أو قطب الوجود النصراني في المشرق على أقل تقدير.
وقد جاءت هذه المباهلة في ظرف سياسي استثنائي، بعد فتح مكة وانتصار المسلمين في حنين، ومراسلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لملوك العالم، كسرى وقيصر والمقوس والنجاشي في الحبشة، كما أنها جاءت قبل شهرين من وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، ما يدل على عظيم خطورة تداعياتها.
وتفصيل ما جرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى وجوه النصارى في جزيرة العرب يدعوهم إلى الإسلام، أو دفع الجزية عن يد وهم صاغرون، ففزعوا والتجئوا إلى كنيسهم ورفعوا فيه صليبهم الأعظم، واجتمع شيوخهم وكبار قساوستهم، وأجمعوا بادئ الأمر على أن يحشدوا جيشا يضمهم وعددا من قبائل اليمن ليغزوا المسلمين في المدينة، ثم استقر رأيهم على إيفاد مجموعة من علمائهم لمناظرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يزعمون بذلك أنهم سيدحضون حجته، وتكون لهم الغلبة عليه من غير حاجة منهم إلى خوض غمار الحرب. وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "أن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – وكان سادتهم الأهتم والعاقب والسيد – وحضرت صلواتهم (أي حان موعد صلاتهم) فأقبلوا يضربون الناقوس وصلوا، فقال أصحاب رسول الله: يا رسول الله، هذا في مسجدك؟! (أي في المدينة المنورة؟)، فقال: دعوهم، فلما فرغوا دنوا من رسول الله، فقالوا: إلى ما تدعوا؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث، قالوا: فمن أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: قل لهم: ما تقولون في آدم؟ أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ فسألهم النبي فقالوا: نعم، قال: فمن أبوه؟ فبهتوا، فأنزل الله: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾، وقوله: ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فباهلوني، فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذبا أنزلت علي، فقالوا: أنصفت، فتواعدوا للمباهلة، فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم، السيد والعاقب والأهتم: إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس نبيا، وإن باهلنا بأهل بيته خاصة، لم نباهله، فإنه لا يقدم إلى أهل بيته إلا وهو صادق، فلما أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فقال النصارى: من هؤلاء؟ فقيل لهم: هذا ابن عمه ووصيه وختنه علب بن أبي طالبو وهذه ابنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين، فتفرقوا فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعطيك الرضا فأعفنا من المباهلة، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الجزية وكانت ألفي حلة من حلل الأواقي قيمة كل حلة أربعون درهما جيادا، فما زاد أو نقص كان بحساب ذلك، وكتب لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتابا بما صالحهم عليه وانصرفوا.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين، لأمرني أن أباهل بهم، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء، فغلبت بهم النصارى".
وقد شيّد فوق المنطقة التي كان مقررا أن يباهل بها النبي الأكرم قساوسة النصارى قبل خذلانهم مسجدا، عرف بمسجد المباهلة، وهو من الأماكن التي حثّ الشيخ المفيد وغيره من العلماء رضوان الله عليهم على زيارته، والصلاة فيه. يقع مسجد المباهلة في الجهة الشرقية من المسجد النبوي، وعلى مسافة خمسماية متر إلى جهة الشمال من جنة البقيع. يعرف حاليا عند السكان المحليين بمسجد "الإجابة"، وثمة قرائن تفيد بأن هذه التسمية مفتعلة – على غرار باب الفيل في مسجد الكوفة – لصرف الأنظار عن واقعة المباهلة، ودلالاتها، لا سيما إنزال الله تعالى بنص القرآن الكريم، أمير المؤمنين عليه السلام منزلة "نفس رسول الله".
ويصرح أئمة الحديث عند المسلمين السنة، بأن هذه الآية نزلت في رسول الله وأمير المؤمنين والسيدة الزهراء والحسنين عليهم السلام.
إن هذا اليوم يوم شريف، وفيه عدة أعمال: الأول: الغسل، الثاني: الصيام، الثالث: الصلاة ركعتين كصلاة عيد الغدير، وقتا وصفة وأجرا، ولكن فيها تقرأ آية الكرسي إلى (هم فيها خالدون)، والرابع: أن يدعو بدعاء المباهلة.
يوم تصدق الإمام علي عليه السلام بالخاتم للفقير
في هذا اليوم (24 ذي الحجة سنة 10هـ) تصدق أمير المؤمنين عليه السلام بالخاتم، في حال الركوع ونزول قوله تعالى: ﴿ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾.
جاء في تفسير "مجمع البيان"، وتفاسير وكتب أخرى، نقلا عن عبد الله بن عباس رضوان الله عليه عن أبي ذر الغفاري رضوان الله عليه في حوار جرى بينهما في المسجد الحرام أمام الناس أنه قال: أيها الناس من لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأذني هاتين وإلا صمّتا، ورأيت بعيني هاتين وإلا كفتا، أنه قال: "علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره مخذول من خذله".
وأضاف أبو ذر رضوان الله عليه أنه كان في أحد الأيام يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل سائل إلى المسجد وطلب إعانة من الناس، لكن لم يقدم له أحد شيئا، فرفع هذا السائل يده إلى السماء وقال: "اللهم اشهد بأني طابت العون في مسجد رسولك ولم يرد علي أحد شيء"، وكان علي عليه السلام يصلي في ذلك الوقت وهو في حالة الركوع، فأشار بخنصره الأيمن، فتقرب السائل فانتزع خاتما كان في تلك الخنصر، وقد شاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك وهو في حالة الصلاة وما أن فرغ من صلاته، حتى رفع رأسه إلى السماء وناجى ربه قائلا، بما مضمونه: "اللهم إن أخي موسى سألك أن تشرح له صدره وتيسر له أمره وتحلل عقدة من لسانه ليفقه الناس قوله وسألك أن تجعل هارون أخاه وزيرا له ليشد أزره ويشاركه في أمره، اللهم وإني نبيك الذي اصطفيته، فاشرح لي صدري ويسر لي أمري، واجعل لي من أهلي عليا عليه السلام وزيرا لتشد به أزري.....".
قال أبو ذر: "وما كاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهي دعاءه حتى نزل عليه جبريل وقال له: اقرأ.. فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ماذا أقرأ؟ قال: اقرأ: ﴿ إنما وليكم الله ورسوله....﴾".
لقد نقل هذه الواقعة الكثير من الرواة ومصادر أهل السنة، وقد صرح البعض بقصة التصدق بالخاتم واكتفى آخرون بتأييد نزول الآية في حق أمير المؤمنين عليه السلام، وقد نقل هذه الروايات ثلة من كبار الصحابة كابن عباس، وعمار بن ياسر، وعبد الله ابن سلام، وسلمة بن كهيل، وانس بن مالك، وعتبة بن حكيم، وعبد الله بن أبي، وعبد الله بن غالب، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي ذر الغفاري.
ونقل صاحب "غاية المرام" 24 حديثا عن طريق أهل السنة و19 حديثا عن طريق الشيعة، والقضية بدرجة من الوضوح بحيث أن حسان بن ثابت جاء بمضمون آية الولاية في قالب شعري من نظمه قاله في حق أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول:
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا زكاة فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك الله خير ولاية وبيّنها في محكمات الشرائع