رُويَ أنَّ الحسينَ بنَ عليٍّ (عليهما السلام) جاءَه رجلٌ وقال: «أنا رجُلٌ عاصٍ، ولا أصبِرُ عَنِ المَعصِيَةِ، فَعِظْني بِمَوعِظَةٍ»، فقالَ الإمام: «اِفعَلْ خَمسَةَ أشياءَ وأذنِبْ ما شِئتَ، فأوَّلُ ذلكَ: لا تَأكُلْ رِزقَ اللَّهِ وأذنِبْ ما شِئتَ، والثّانِي: اُخرُجْ مِن وَلايَةِ اللَّهِ وأذنِبْ ما شِئتَ، والثّالِثُ: اُطلُبْ مَوضِعاً لا يَراكَ اللَّهُ وأذْنِبْ ما شِئتَ، والرّابِعُ: إذا جاءَ مَلَكُ المَوتِ لِيَقبِضَ رُوحَكَ، فادْفَعْهُ عَن نَفسِكَ وأذنِبْ ما شِئتَ، والخامِسُ: إذا أدخَلَكَ مالِكٌ في النّارِ، فلا تَدخُلْ في النّارِ وأذنِبْ ما شِئتَ!»[1].
إنّ مِن أعظمِ المواعظِ الموجِبةِ لنهيِ النفسِ عنِ الهوى، أنْ يعرفَ الإنسانُ نفسَه، وهو ما أرادَ أنْ يعِظَ بهِ الإمامُ (عليه السلام) طالبَ الموعظة، فمَن عَرَفَ أنّه عبدٌ مملوكٌ لا يملِكُ مِن أمرِه شيئاً، وعَرَفَ أنّه تحتَ تصرُّفِ خالقِه في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، فكيف يتجرّأُ على معصيتِه!
وقد وردَ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أكثرُ الناسِ معرفةً لنفسِه أخوَفُهُم لربِّه»[2]؛ وذلك لكونِهِ أعلمَهُم بربِّه وأعرفَهم بِه، وقد قالَ اللهُ سبحانَه: ﴿إنّما يخشى اللهَ مِن عبادِهِ العلماءُ﴾[3].
وكذلكَ مَن عَرَفَ نفسَه، استطاعَ أنْ يتعاملَ معها بما أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بِه، فعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «لا تَدَعِ النَّفسَ وهَواها؛ فإنّ هَواها [في] رَداها، وتَركُ النَّفسِ وما تَهوى أذاها، وكَفُّ النَّفسِ عَمّا تَهوى دَواها»[4].
ووردَ في روايةٍ أنّ رجلاً دخلَ على رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه) اسمُهُ مُجاشع، فقال: «يا رسولَ الله! كَيفَ الطَّريقُ إِلى مَعرِفَةِ الحَقِّ؟»، فَقالَ (صلّى اللّهُ عليه وآلِه): «مَعرِفَةُ النَّفسِ». قالَ: «يا رَسولَ اللّهِ، كَيفَ الطَّريقُ إِلى مُوافَقَةِ الحَقِّ؟»، قالَ: «مُخالَفَةُ النَّفسِ». قالَ: «يا رَسولَ اللّهِ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى رِضاءِ الحَقِّ؟» قالَ: «سَخَطُ النَّفسِ». قالَ: «يا رَسولَ اللّهِ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى وَصْلِ الحَقِّ؟»، قالَ: «هَجرُ النَّفسِ». قالَ: «يا رَسولَ اللّهِ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى طاعَةِ الحَقِّ؟»، قالَ: «عِصيانُ النَّفسِ». قالَ: «يا رَسولَ اللّهِ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى ذِكرِ الحَقِّ؟»، قالَ: «نِسيانُ النَّفسِ». قالَ: «يا رَسولَ اللّهِ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى قُربِ الحَقِّ؟»، قالَ: «التَّباعُدُ عَن النَّفسِ». قالَ: «يا رَسولَ اللّهِ، فكَيفَ الطَّريقُ إِلى أُنسِ الحَقِّ؟»، قالَ: «الوَحشَةُ مِنَ النَّفسِ». قالَ: «يا رَسولَ اللّهِ، كَيفَ الطَّريقُ إِلى ذلِكَ؟»، قالَ: «الاستِعانَةُ بِالحَقِّ عَلَى النَّفسِ»[5].
يقولُ العلّامةُ الطباطبائيّ (قدس سره): «إذا اشتغلَ الإنسانُ بالنظرِ إلى آياتِ نفسِه، وشاهدَ فقْرَها إلى ربِّها، وحاجتَها في جميعِ أطوارِ وجودِها، وجدَ أمراً عجيباً، وجدَ نفْسَه متعلّقةً بالعظَمةِ والكبرياء، متّصِلةً في وجودِها وحياتِها وعِلمِها وقُدرتِها وسَمْعِها وبصَرِها وإرادتِها وحبِّها وسائرِ صفاتِها وأفعالِها بما لا يتناهى، بهاءً وسناءً وجمالاً وجلالاً وكمالاً من الوجودِ والحياةِ والعلمِ والقدرة، وغيرِها من كلِّ كمال. وعند ذلك تنصرِفُ عنْ كلِّ شيءٍ، وتتوجَّهُ إلى ربِّها، وتنسى كلَّ شيءٍ، وتذكُرُ ربَّها، فلا يحجُبُه عنها حجابٌ، ولا تستَتِرُ عنه بسَتر، وهو حقُّ المعرفةِ الذي قُدِّرَ لإنسان»[6].
[1] الشعيري، جامع الأخبار، ص130.
[2] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص201.
[3] سورة فاطر، الآية 28.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص336.
[5] ابن أبي جمهور الإحسائيّ، عوالي اللئالي، ج1، ص246.
[6] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج6، ص171.