يصِفُ أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ (عليه السلام) شخصيّةَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه)، فيقول: «فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى، وَبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى، وسِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ، وَشِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ، وَزَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ؛ سِيرَتُهُ الْقَصْدُ، وَسُنَّتُهُ الرُّشْدُ، وَكَلاَمُهُ الْفَصْلُ»[1].
تبيّنُ هذه المفرداتُ سمةً بارزةً من سماتِ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) وهي أنّه جاءَ ليخرجَ الناسَ من الظلماتِ إلى النور، ويسيرَ بهم إلى ما فيه نجاتُهم. وهذا ما تجلّى في مرحلتَينِ من حياةِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): المرحلةِ المكّيّةِ التي شكّلتْ بناءَ النواةِ الأولى من المؤمنين، والمرحلةِ المدنيّةِ التي شكّلت بناءَ الدولةِ الإسلاميّةِ الأولى التي كان النبيُّ (صلواتُ اللهِ عليه) هو الحاكمَ فيها. ولعظمةِ هذه الدولة، يبيّنُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) خصائصَ هذه الدولةِ المباركة، فيقول:
«النظامُ الّذي شيَّدَهُ النبيُّ (صلَّى اللهُ عليه وآلِه) كان له الكثيرُ من المعالم، أبرزُها وأهمُّها سبعة:
المعْلَمُ الأوّل: الإيمان: فالدافعُ الحقيقيُّ بالنظامِ النبويِّ إلى الأمامِ هو الإيمانُ المنبثقُ من قلوبِ الناسِ وعقولِهم، الذي يأخذُ بأيديهم وكيانِهم كلِّه نحو طريقِ الصواب. إذاً، المعْلَمُ الأوّلُ يتمثّلُ في نفخِ روحِ الإيمانِ، وتقويتِه وترسيخِه، وتغذيةِ أبناءِ الأمّةِ بالمعتقدِ والفكرِ السليمَين؛ وهذا ما باشَرَه النبيُّ (صلى الله عليه وآله) في مكّةَ، ورفعَ رايتَه في المدينةِ بكلِّ اقتدار.
المعْلَمُ الثاني: العدلُ والقِسط: فمنطلقُ العملِ كانَ يقومُ على أساسِ العدلِ والقسطِ وإعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه دون أدنى مداهنة.
المعْلَمُ الثالث: العلمُ والمعرفة: فأساسُ كلِّ شيءٍ في النظامِ النبويِّ هو العلمُ والمعرفةُ والوعيُ واليقظة، فهو لا يحرِّكُ أحداً في اتّجاهٍ معيّنٍ حركةً عمياء، بل يحوّلُ الأمّةَ عن طريقِ الوعيِ والمعرفةِ والقدرةِ على التشخيص، إلى قوّةٍ فعّالةٍ لا منفعلة.
المعْلَمُ الرابع: الصفاءُ والأخوّة: فالنظامُ النبويُّ ينبذُ الصراعاتِ الّتي تغذِّيها الدوافعُ الخُرافيّةُ والشخصيّة، والمصلحةُ والمنفعة، ويحاربُها. فالأجواءُ هي أجواءٌ تتّسمُ بالصدقِ والأخوّةِ والتآلفِ والحميميّة.
المعْلَمُ الخامس: الصلاحُ الأخلاقيُّ والسلوكيّ: فهو يزكّي الناسَ ويطهِّرُهم من رذائلِ الأخلاقِ وأدرانِها، ويصنعُ إنساناً خلوقاً ومزكّى ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾[2]. فالتزكيةُ هي أحدُ المرتكزاتِ الأساسِ الّتي كانَ يستندُ إليها النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) في عملِه التربويِّ مع أبناءِ الأمّةِ فرداً فرداً لبناءِ الإنسان.
المعْلَمُ السادس: الاقتدارُ والعزّة: فالمجتمعُ والنظامُ النبويُّ لا يتميّزُ بالتبعيّةِ والتسوّلِ من الآخرين، بل يتميّزُ بعزَّتِه واقتدارِه وإصرارِه على اتّخاذِ القرار؛ فهو متى ما شخَّصَ موطنَ صلاحِه سعى إليه، وشقَّ طريقَه إلى الأمام.
المعْلَمُ السابع: العملُ والنشاطُ والتقدّمُ المطَّرد: فلا مجالَ للتوقّفِ في النظامِ النبويّ، بل الحركةُ الدؤوبةُ والتقدّمُ الدائم. ولا معنى لدى أبنائِه للقولِ إنَّ كلَّ شيءٍ قدِ انتهى فلنركنْ إلى الدِّعة! وهذا العملُ -بطبيعةِ الحال- مبعَثُ لذّةٍ وسرورٍ وليس مدعاةً للكسلِ والمللِ والإرهاق، بل هو عملٌ يمنحُ الإنسانَ النشاطَ والطاقةَ والاندفاع».
ختاماً، نعزّي الإمامَ صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجّل الله فرجه الشريف)، ووليَّ أمرِ المسلمينَ، والمجاهدينَ جميعاً، بذكرى رحيلِ رسولِ اللهِ (صلواتُ اللهِ عليه وعلى آلِه الطاهرين).
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص139، الخطبة 94.
[2] سورة آل عمران، الآية 164. سورة الجمعة، الآية 2.