لقد كانت الدعوةُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ هي السبيلَ الذي سلكَه النبيُّ (صلى الله عليه وآله) في خطابِهِ للناسِ كافّة. ويصفُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) مظاهرَ الرحمةِ الإلهيٍّةِ بالنبيِّ (صلى الله عليه وآله) بالآتي:
1. القرآن: فقدْ أنزلَه اللهُ عزَّ وجلَّ كتابَ هدايةٍ للعالَمين، وصِفَتُهُ أنّه مبيّنٌ ومُحْكَمٌ، فبالرجوعِ إليه تتّضحُ حقيقةُ الحالِ دونَ غموض، كما أنّه مُحكَمٌ لا مجالَ فيه للزيغِ والتشابُه. يقولُ (عليه السلام): «بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) بِالْحَقِّ... بِقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَه وأَحْكَمَه، لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوه، ولِيُقِرُّوا بِه بَعْدَ إِذْ جَحَدُوه».[1]
فلم يَعُدْ لأحدٍ من الناس العذرُ بعدَ اتّضاحِ الحقِّ عياناً لكلِّ قاصد. يقولُ (عليه السلام): «ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِيءِ، والْبُرْهَانِ الْجَلِيِّ، والْمِنْهَاجِ الْبَادِي، والْكِتَابِ الْهَادِي»[2].
فمَن لا يهتدي بهذا الهدى، يكونُ هلاكُهُ بيدِه، يقول (عليه السلام): «إِنَّ اللَّه بَعَثَ رَسُولاً هَادِياً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ وأَمْرٍ قَائِمٍ، لَا يَهْلِكُ عَنْه إِلَّا هَالِكٌ. وإِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُشَبَّهَاتِ هُنَّ الْمُهْلِكَاتُ، إِلَّا مَا حَفِظَ اللَّهُ مِنْهَا»[3].
كما أقامَ النبيُّ (ص) الدلائلَ الواضحةَ والمشرقةَ حتّى لا تخفى على أحدٍ مِن الناس، يقولُ (عليه السلام): «وهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ والآثَامِ، وأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلَامِ ونَيِّرَاتِ الأَحْكَامِ»[4].
2. لغةُ النُصحِ والإرشادِ والموعظةِ الحَسَنة: وهي اللّغةُ التي كانت سائدةً في منطقِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) وحديثِهِ للناس، يقولُ (عليه السلام): «فَبَالَغَ فِي النَّصِيحَةِ، ومَضَى عَلَى الطَّرِيقَةِ، ودَعَا إِلَى الْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»[5].
3. نذيراً وبشيراً: ولغةُ النُصحِ السائدةُ كانت تتجلّى بلغةِ البُشرى بما وَعَدَ اللهُ عزَّ وجلَّ بِهِ مِنَ الثوابِ والتحذيرِ بوعيدِهِ مِنَ العقاب، يقول (عليه السلام): «ونَصَحَ لأُمَّتِه مُنْذِراً، ودَعَا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً، وخَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً»[6]، وقال (عليه السلام): «فَإِنَّ اللَّه جَعَلَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) عَلَماً لِلسَّاعَةِ، ومُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ، ومُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ»[7].
4. القدوةُ الحَسَنة: فقدْ جسَّدَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله) حقيقةَ الدعوةِ بشخصِهِ، وبما مثَّلَتْه سيرتُهُ في قولِهِ وفعلِه، يقولُ (عليه السلام): «سِيرَتُهُ الْقَصْدُ، وسُنَّتُهُ الرُّشْدُ، وكَلَامُهُ الْفَصْلُ، وحُكْمُهُ الْعَدْلُ»[8].
5. الوَعظُ والإرشاد: ففي كلامِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) ودعوتِهِ موعظةٌ للناسِ، بتحريكِ القلوبِ نحو الهدى والحقّ، بما يعالجُها بِهِ مِنَ الأمراض، فيكونُ بِهِ الشِفاء، يقولُ (عليه السلام): «أَرْسَلَه بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ ومَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ ودَعْوَةٍ مُتَلَافِيَةٍ، أَظْهَرَ بِه الشَّرَائِعَ الْمَجْهُولَةَ، وقَمَعَ بِه الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ، وبَيَّنَ بِه الأَحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ»[9].
ختاماً، جاءَ في دعاءِ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) لرسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) قولُه: «اللَّهُمَّ، اقْسِمْ لَهُ مَقْسَماً مِنْ عَدْلِكَ، وَاجْزِهِ مُضَعَّفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ. اللَّهُمَّ، أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ، وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ نُزُلَهُ، وَشَرِّفْ عِنْدَكَ مَنْزِلَهُ، وَآتِهِ الْوَسِيلَةَ، وَأَعْطِهِ السَّنَاءَ وَالْفَضِيلَةَ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ غَيْرَ خَزَايَا، وَلَا نَادِمِينَ، وَلَا نَاكِبِينَ، وَلَا نَاكِثِينَ، وَلَا ضَالِّينَ، وَلَا مُضِلِّينَ، وَلَا مَفْتُونِينَ»[10].
نباركُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّل الله فرجه الشريف)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى الولادةِ العَطِرَةِ لرسولِ اللهِ محمّدٍ (صلى الله عليه وآله).
[1] نهج البلاغة، ص204، الخطبة 147.
[2] المصدر نفسه، ص229، الخطبة 161.
[3] المصدر نفسه، ص243، الخطبة 169.
[4] المصدر نفسه، ص101، الخطبة 72.
[5] المصدر نفسه، ص140، الخطبة 95.
[6] المصدر نفسه، ص109، الخطبة 109.
[7] المصدر نفسه، ص229، الخطبة 160.
[8] المصدر نفسه، ص139، الخطبة 94.
[9] المصدر نفسه، ص230، الخطبة 161.
[10] المصدر نفسه، ص154، الخطبة 106.