عَنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «يقولُ اللهُ: ابنَ آدم! اعملْ بما افترضتُ عليكَ تكُنْ مِنْ أعبدِ الناس»[1].
العبادةُ هي الطاعةُ مع الخُضُوع. وعبادةُ اللهِ عزَّ وجلَّ تجمعُ كلَّ ما يُحبُّه اللهُ تعالى ويرضاهُ مِنَ الأقوالِ والأعمالِ الظاهرةِ والباطنة؛ وهي تتضمّنُ غايةَ الذلِّ للهِ تعالى مع المحبّةِ لَه. وهذا هو مضمونُ دعوةِ الرسلِ (عليهِمُ السلام) جميعاً، وهو ثابتٌ من ثوابتِ رسالاتِهم عبرَ التاريخ، فما مِن نبيٍّ إلّا أَمَرَ قومَهُ بالعبادة، قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[2].
وتتحقَّقُ العبادةُ بكلّ ما يصدرُ عَنِ الإنسانِ المسلمِ مِنْ أقوالٍ وأفعالٍ استجابةً لأمرِ اللهِ تعالى، وتطابقاً معَ إرادتِه ومشيئتِه.
وتتنوّعُ العباداتُ بين واجبات، وهي ما لا يرضى اللهُ عزَّ وجلَّ بتركِه، ومستحبّاتٍ يحثُّ اللهُ عزَّ وجلَّ على فعلِها، ولكنَّهُ لا يُلزِمُ الناسَ بها. ومفادُ العديدِ من الرواياتِ الواردةِ عنْ أهلِ البيتِ (عليهِمُ السلام) الحثُّ على الحفاظِ على الواجبات، والتحذيرُ مِنَ التقصيرِ فيها، مع الاهتمامِ ببعضِ المستحبّات؛ ولذا كانَ أعبدَ الناسِ مَنْ عَمِلَ بالفرائض، فعنْ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه): «مَن أتَى اللّهَ بِما افتَرَضَ اللّهُ عَلَيهِ فهُوَ مِن أعبَدِ النّاس»[3].
وهذا يعني الحذرَ مِنْ تضييعِ الواجبِ مَعَ الحفاظِ على المستحبّ؛ لأنَّ ما يُسأَلُ عنه الإنسانُ يومَ القيامةِ هو الفرائض، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّكَ إِنِ اشْتَغَلْتَ بِقَضَاءِ النَّوَافِلِ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ فَلَنْ يَقُومَ فَضْلٌ تَكْسِبُهُ بِفَرْضٍ تُضَيِّعُهُ»[4].
والفرائضُ بابٌ للتقوى، ففي الروايةِ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه): «اعملْ بفرائضِ اللهِ تكنْ مِنْ أتقى الناس»[5]، وهذا يعني أنَّ الوصولَ إلى الدرجةِ العُليا منْ مَلَكةِ التقوى قِوامُهُ العملُ بالواجبات، منْ عباداتٍ كالصلاةِ ونحوها، وغيرِ العباداتِ كأداءِ حقوقِ الناس.
وبذلك يصلُ الإنسانُ إلى الغايةِ التي هي أملُ كلِّ إنسانٍ في الآخرة؛ أي الجنّة، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ! أَدُّوهَا إِلَى اللَّهِ تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ»[6]، وأداؤها يعني الإتيانَ بها مَعَ الشروطِ المعتبرةِ كافّةً صحيحةً تامّة، ويتأكَّدُ ذلكَ ممّنْ يتولّى شأنَ الناسِ ويكونُ في مقامِ التصدِّي لأمورِهم؛ فاهتمامُه بإقامةِ الفرائضِ ينبغي أنْ يكونَ سُنَّةً قائمةً منه، ففي عهدِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) لمالكٍ الأشترِ لمَّا ولَّاهُ مصرَ: «ولْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِه لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِه، الَّتِي هِيَ لَه خَاصَّةً، فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ ونَهَارِكَ، ووَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِه إِلَى اللَّه مِنْ ذَلِكَ كَامِلًا غَيْرَ مَثْلُومٍ ولَا مَنْقُوصٍ، بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ»[7].
كما أنَّ الواجباتِ هي بابُ الوصولِ إلى محبَّةِ اللهِ عزَّ وجلّ، ففي الروايةِ عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى: مَا تَحَبَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِأَحَبَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»[8].
[1] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص281.
[2] سورة الأنبياء، الآية 25.
[3] الشيخ الصدوق، الخصال، ج1، ص125.
[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص171.
[5] الشيخ المفيد، الأمالي، ص350.
[6] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص 242، الخطبة 167.
[7] المصدر نفسه، ص440، الكتاب 53.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص82.أعبدُ الناس