عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في وصيَّتِه لكُمَيل: «يا كُمَيل، إنَّكَ لا تخلو مِن نِعَمِ اللهِ عندكَ، وعافيتِه إيّاك، فلا تَخْلُ مِن تحميدِه وتمجيدِه، وتسبيحِه وتقديسِه، وشُكرِه وذِكرِه على كلِّ حال»[1].
الإنسانُ في هذه الحياةِ مرتَمِسٌ بالنِعَمِ الإلهيّة، ولكنَّ الغفلةَ عنْ هذه النعمةِ تجعلُه في تقصيرٍ منْ أداءِ الشكرِ للهِ عزَّ وجلَّ عليها، وذلك بمعرفةِ حقِّ المُنعِمِ عليه، والسعيِ لتحصيلِ رضاهُ عبرَ استخدامِ نِعَمِه في ما أمرَ به، ومن خلالِ الذِكرِ الدائمِ لهُ بالتسبيحِ والتقديس، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «يا أيُّها النّاسُ، إنَّ للَّهِ في كُلِّ نِعمَةٍ حَقّاً، فمَنْ أدّاهُ زادَهُ، ومَنْ قَصَّرَ عَنهُ خاطَرَ بزَوالِ النِّعمَةِ وتَعَجُّلِ العُقوبَةِ، فلْيَراكُمُ اللَّهُ مِن النِّعمَةِ وَجِلِينَ، كما يَراكُم مِن الذُّنوبِ فَرِقِينَ»[2].
وأوَّلُ هذه النِعَمِ أنْ خَلَقَكَ اللهُ عزَّ وجلَّ ولم تكنْ مِنْ قبلُ شيئاً مذكوراً، ثمّ أنعمَ عليكَ بما جعلَهُ لكَ في الأرضِ مِنْ مستقَرّ، قالَ تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهاَ﴾[3]. ففي اليومِ الخامسِ والعشرينَ مِنْ ذي القَعدةِ كانَ دحوُ الأرض، وهوَ أحدُ الأيّامِ الأربعةِ التي خُصَّتْ بالصّيامِ بينَ أيّامِ السّنة، ورويَ أنَّ صيامَه يعدِلُ صيامَ سبعينَ سنة، وهوَ كفّارةٌ لذنوبِ سبعينَ سنة، وهوَ يومٌ انتشرتْ فيه رحمةُ اللهِ تعالى، وللعبادةِ والاجتماعِ لذكرِ اللهِ تعالى فيه أجرٌ جزيل.
ويُقصَدُ بدحوِ الأرض، أنَّها كانتْ في البدايةِ مغطَّاةً بمياهِ الأمطارِ الغزيرةِ التي انهمرتْ عليها مدَّةً طويلة، ثمَّ استقرتْ تلكَ المياهُ تدريجيّاً في منخفضاتِ الأرض، فشكَّلَتِ البحارَ والمحيطات، فيما علَتِ اليابسةُ على أطرافِها، وتوسَّعَتْ تدريجيّاً، حتّى وصلتْ إلى ما هيَ عليه الآنَ مِنْ شكل، وبذلكَ أصبحتْ قابلةً ليعيشَ فيها الإنسان؛ وهيَ نعمةٌ تستحقُّ الشكر.
ونقطةُ الدحوِ الأولى كانتْ حيثُ الكعبةُ الشريفة، ففي الروايةِ عَنِ الإمامِ جعفرٍ الصادقِ (عليه السلام) قولُه: «إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ دحا الأرضَ مِنْ تحتِ الكعبةِ إلى مِنى، ثمَّ دحاها مِنْ مِنى إلى عَرَفات، ثمَّ دحاها مِنْ عَرَفات إلى مِنى. فالأرضُ مِنْ عرفات، وعرفاتُ مِنْ مِنى، ومِنى مِنَ الكعبة»[4].
والمرويُّ عَنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في هذا اليوم: «إِنَّ أَوَّلَ رَحْمَةٍ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَقَامَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَهُ عِبَادَةُ مِئَةِ سَنَةٍ، صَامَ نَهَارَهَا، وَقَامَ لَيْلَهَا. وَأَيُّمَا جَمَاعَةٍ اجْتَمَعَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي ذِكْرِ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ، لَمْ يَتَفَرَّقُوا حَتَّى يُعْطَوْا سُؤْلَهُمْ، وَيَنْزِلُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَلْفُ أَلْفِ رَحْمَةٍ، يَضَعُ مِنْهَا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ فِي خُلُقِ الذَّاكِرِينَ وَالصَّائِمِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَالْقَائِمَيْنِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة»[5].
ومِنَ الأدعيةِ المهمَّةِ في هذا اليوم، الدعاءُ بتعجيلِ فَرَجِ الإمامِ صاحبِ العصرِ والزمان (عجل الله فرجه الشريف)، ففي الدعاءِ المرويِّ لهذا اليوم: «اللّهمَّ وَعَجِّلْ فَرَجَ أَوْلِيائِكَ، وَارْدُدْ عَلَيْهِمْ مَظالِمَهُمْ، وَأَظْهِرْ بِالْحَقِّ قائِمَهُمْ، وَاجْعَلْهُ لِدينِكَ مُنْتَصِراً، وَبِأَمْرِكَ في أَعْدائِكَ مُؤْتَمِراً. اللّهمَّ احْفُفْهُ بِمَلائِكَةِ النّصْرِ، وَبِما أَلْقَيْتَ إِلَيْهِ مِنَ الاْمْرِ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ، مُنْتَقِماً لَكَ حتّى تَرْضى، وَيَعوُدَ دينُكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ جَديداً غَضّاً، وَيَمْحَضَ الْحَقّ مَحْضاً، وَيَرْفُضَ الْباطِلَ رَفْضاً»[6].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، ص174.
[2] المصدر نفسه، ص206.
[3] سورة النازعات، الآية 30.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص149.
[5] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج2، ص27.
[6] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج2، ص670.