عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في نهجِ البلاغةِ يصفُ بهِ أهلَ البيتِ (عليهم السلام): «هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ، يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ. لاَ يُخَالِفُونَ الْحَقَّ، وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. هُمْ دَعَائِمُ الْإِسْلاَمِ، وَوَلاَئِجُ الْاعْتِصَامِ، بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ فِي نِصَابِهِ، وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ»[1].
لقدْ كانَ سعيُ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) في حياتِه لتثبيتِ مرجعيّةِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في نفوسِ الناس. وبعدَ وفاتِه (صلى الله عليه وآله)، وما جرى مِنْ أحداثٍ لم يُعمَلْ فيها بالحقِّ والصواب، كانَ المطلوبُ تثبيتَ مرجعيَّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) في نفوسِ الناس، والتذكيرَ بمنزلتِهِم ومكانتِهِم دائماً، فنرى الإمامَ أميرَ المؤمنينَ (عليه السلام) يذكُرُ صفاتِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) بأبلغِ العباراتِ وأوجزِها: «هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ»؛ لأنَّهم يبثُّونَ معارفَ الإسلامِ بينَ الناس. وفي تعبيرِ الإمامِ بلاغةٌ خاصَّةٌ؛ إذ عبَّرَ عنهُم (عليهم السلام) بأنَّهُم هُمْ بأنفُسِهِم عيشُ العلمِ وموتُ الجهل.
والصفاتُ الأخرى كافّة؛ مِنَ الحلمِ والمنطق، وكونِهِم المرجعَ في معرفةِ الحقّ، وعدمِ الاختلافِ بينهُم، علاماتٌ تدلُّ على سَعَةِ علمِهِم ومعارفِهِم؛ لأنَّها كانتْ بتعليمٍ مِنَ اللهِ عزَّ وجلّ.
وأعظمُ ما يصِفُهُم بهِ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) أنَّهُم «وَلاَئِجُ الْاعْتِصَامِ»؛ أي هُم حبلُ اللهِ الذي إنْ تمسَّكَ بهِ الإنسانُ كُتِبَتْ لهُ النجاة؛ وهذا المعنى وردَ في العديدِ مِنَ الروايات، فعَنْ سعيدِ بنِ جُبَير، عنْ ابنِ عبَّاسٍ قال: كُنَّا عندَ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) إذ جاءَ أَعرابيٌّ فقال: يا رسولَ الله! سمِعْتُكَ تقول: ﴿واعتصِموا بحبلِ الله﴾[2]، فما حبلُ اللهِ الذي نعتصمُ به؟ فضربَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله) يدَه في يدِ عليّ، وقال: «تمسَّكوا بهذا، هو حبلُ اللهِ المتين»[3].
وعنه (صلى الله عليه وآله): «مَن أحَبَّ أن يَركَبَ سَفينَةَ النَّجاة، ويَستَمسِكَ بِالعُروَةِ الوُثقى، ويَعتَصِمَ بِحَبلِ اللّهِ المَتين، فَليُوالِ عَلِيًّا بَعدي، وَليُعادِ عَدُوَّهُ، وَليَأتَمَّ بِالأَئِمَّةِ الهُداةِ مِن وُلدِهِ، فَإِنَّهُم خُلَفائي وأوصِيائي، وحُجَجُ اللّهِ عَلَى الخَلقِ بَعدي، وسادَةُ أُمَّتي، وقادَةُ الأَتقِياءِ إلَى الجَنَّة، حِزبُهُم حِزبي، وحِزبي حِزبُ اللّه، وحِزبُ أعدائِهِم حِزبُ الشَّيطانِ»[4].
وفي الزيارةِ الجامعةِ الكبيرةِ نقرأ: «وَمَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللهِ، أَنْتُمُ الصِّراطُ الأَقْوَمُ، وَشُهَداءُ دارِ الْفَناءِ، وَشُفَعاءُ دارِ الْبَقاءِ، وَالرَّحْمَةُ الْمَوْصُولَةُ، وَالآيَةُ الَمخْزُونَةُ، وَالأَمانَةُ الُمحْفُوظَةُ، وَالْبابُ الْمُبْتَلى بِهِ النّاسُ، مَنْ أَتاكُمْ نَجا، وَمَنْ لَمْ يَأتِكُمْ هَلَكَ، إِلَى اللهِ تَدْعُونَ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ، وَبِهِ تُؤْمِنُونَ، وَلَهُ تُسَلِّمُونَ، وَبِأَمْرِهِ تَعْمَلُونَ، وَإِلى سَبيلِهِ تُرْشِدُونَ، وَبِقَوْلِهِ تَحْكُمُونَ. سَعَدَ مَنْ والاكُمْ، وَهَلَكَ مَنْ عاداكُمْ، وَخابَ مَنْ جَحَدَكُمْ، وَضَلَّ مَنْ فارَقَكُمْ، وَفازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ، وَأَمِنَ مَنْ لَجَأ اِلَيْكُمْ، وَسَلِمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ، وَهُدِىَ مَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ. مَنِ اتَّبَعَكُمْ فَالْجَنَّةُ مَأواهُ، وَمَنْ خالَفَكُمْ فَالنّارُ مَثْواهُ»[5].
نباركُ لمولانا صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجل الله فرجه الشريف)، ولوليِّ أمرِ المسلمين (دام ظلُّه)، وللمجاهدينَ جميعاً المناسباتِ الإلهيَّةَ في شهرِ ذي الحِجَّة: الغدير، والمباهلة، والتصدُّقُ بالخاتَم.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص357، الخطبة 239.
[2] سورة آل عمران، الآية 103.
[3] الشيخ محمّد حسن المظفَّر، دلائل الصدق لنهج الحقّ، ج5، ص390.
[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص19.
[5] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص613.