عن الإمامِ عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام): «إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا، وَأَسْبَلَ دُمُوعَنَا، وَأَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَبَلَاءٍ، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَالْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ؛ فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ؛ فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ»[1].
لا تزالُ عاشوراءُ تتجدّدُ في كلِّ عامٍ بكلِّ مأساتِها، وبكلِّ الدروسِ التي تحملُها، ومن مدرسةِ عاشوراءَ كانت أجيالُ الشهداء، تستلهمُ التضحيةَ والبذلَ والعطاء.
إنّ مِن أعظمِ دروسِ عاشوراءَ هو التأكيد على أداءِ التكليفِ الإلهيّ، وهذه هي خصوصيةُ حركةِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، يقولُ الإمامُ الخامنئيّ: «إنّ هدفَ ذلكَ العظيمِ كان عبارةً عن أداءِ واجبٍ عظيمٍ من واجباتِ الدّين، لم يؤدِّهِ أحدٌ قبلَه، لا النّبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولا أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام)، ولا الإمامُ الحسنُ المجتبى (عليه السلام)؛ إنّه واجبٌ يحتلُّ مكانًا مهمًّا في البناءِ العامِّ للنّظامِ الفكريِّ والقيميِّ والعمليِّ للإسلام. وعلى الرَّغمِ مِن أنّ هذا الواجبَ مهمٌّ وأساس، فلماذا لم يؤَدَّ حتّى عهدِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)؟ كان يجبُ على الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) القيامُ بهذا الواجبِ ليكونَ درسًا على مَرِّ التّاريخ، كما أنّ تأسيسَ النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للحكومةِ الإسلاميّةِ أصبحَ درسًا على مَرِّ تاريخِ الإسلام، وكما أصبح جهادُ النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في سبيلِ اللهِ درسًا على مَرِّ تاريخِ المسلمينَ وتاريخِ البشريّةِ إلى الأبد.. كان ينبغي للإمامِ الحسينِ (عليه السلام) أن يؤدّيَ هذا الواجبَ، ليُصبحَ درسًا عمليًّا للمسلمينَ على مَرِّ التاريخ.
إذًا، لقد كان الهدفُ أداءَ هذا الواجب، وعندها تكون نتيجةُ أداءِ الواجبِ أحدَ الأمرَين، إمّا الوصولُ إلى الحكمِ والسّلطة -وقد كان الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) مستعدّاً لذلك، لكي يعودَ المجتمعُ كما كان عليه في عصرِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام)-، وإمّا الوصولُ إلى الشّهادة، وهو (عليه السلام) كان مُستعدًّا لها أيضاً»[2].
وفي عاشوراءَ منطقُ العاطفةِ هو الذي يربطُ الناسَ بالحسينِ (عليه السلام)، ولذا وردَ عنِ الإمامِ الرضا (عليه السلام): «كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً، وَكَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ، كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَحُزْنِهِ وَبُكَائِهِ، وَيَقُولُ: هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ)»[3].
يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظه الله): «كانت مسألةُ البكاءِ والإبكاءِ على مصابِ الحسينِ (عليه السلام) سائدةً حتى زمنِ أئمّتِنا (عليهم السلام)، وينبغي أن لا يفكّرَ أحدٌ بعدمِ جدوى البكاء، في زمنِ الفِكرِ والمنطقِ والاستدلال، فهذا فكرٌ خاطئ؛ لأنّ لكلِّ شيءٍ مكانه، ولكلٍّ سهمُهُ في بناءِ شخصيةِ الإنسان: العاطفةُ مِن جهة، والمنطقُ والاستدلالُ مِن جهةٍ أخرى. أمورٌ كثيرةٌ لا تُحَلُّ إلّا عن طريقِ العاطفةِ والمحبّة، ولن يؤثّرَ فيها المنطقُ والاستدلال»[4].
آياتُ العزاءِ نرفعُها لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّل الله تعالى فرجه)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعًا، بذكرى عاشوراءَ الحسينِ (صلوات الله عليه).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص128.
[2] من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 10 محرّم الحرام 1416هـ.
[3] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص128.
[4] من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 29 ذي الحجّة 1414 هـ.