لكلِّ نعمةٍ حقٌّ، ومِن أعظمِ نِعَمِ اللهِ عزَّ وجلَّ على العبادِ، نعمةُ بعثةِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله)، هذه النعمةُ التي تُرتِّبُ على أمَّتِه حقوقاً لا بدَّ منْ أدائِها، منها:
1ـ طاعتُه: فطاعةُ النبيِّ فرضٌ محتّمٌ على الناس، كطاعةِ اللّهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[1]؛ فهو المعصومُ الذي لا ينطقُ عنِ الهوى، إنْ هو إلّا وحيٌّ يوحى. ومعنى طاعتِه اتّباعُ شريعتِه، والحذرُ الشديدُ منْ مخالفتِه، وهو ما حُذِّرَ منه في كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قالَ تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[2].
2ـ التسليمُ له: أي الرضى بما صدرَ ويصدرُ عنه، وذلكَ يتحقَّقُ منْ خلالِ معرفتِه حقَّ المعرفة، قالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾[3].
فلا خيارَ غيرَ ما اختارَه الرسولُ (صلى الله عليه وآله)، بل لا يكونُ في القلبِ إلَّا التسليمُ والقناعةُ بما أَمرَ به، قالَ تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[4]، فهذا التسليمُ هو مِنْ صلبِ الإيمانِ الحقيقيّ.
3ـ الصلاةُ عليه: فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَن صلَّى على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ عشراً، صلّى اللّهُ عليه وملائكتُه مِئةَ مرّة، ومَن صلّى على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ مِئةً، صلّى اللّه عليه وملائكتُه ألفاً»[5].
وفي معنى الصلاةِ عليه، وردَ في الروايةِ عن ابن أبي حمزةَ عن أبيه، قالَ: سألتُ أبا عبدِ اللهِ [الصادقِ] (عليه السلام) عنْ قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[6]، فقال: «الصلاةُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ رحمةٌ، ومِنَ الملائكةِ تزكيةٌ، ومِنَ الناسِ دعاءٌ»[7].
4ـ تسميةُ المولودِ باسمِه: عنْ جابرٍ، عنْ أبي جعفرٍ الباقرِ (عليه السلام) أنَّه قالَ لابنِ صغير: ما اسمُك؟ قال: محمّد، قال: بِمَ تُكنَّى؟ قال: بعَليّ، فقال أبو جعفرٍ (عليه السلام): «لقدِ احتظرتَ من الشيطانِ احتظاراً شديداً. إنَّ الشيطانَ إذا سمِعَ منادياً ينادي: يا محمَّدُ، أو يا عليُّ، ذابَ كما يذوبُ الرصاصُ، حتّى إذا سَمِعَ منادياً ينادي باسمِ عدوٍّ منْ أعدائِنا، اهتزَّ واختالَ»[8].
واحتراماً وتعظيماً لهذا الاسمِ، يوصي الإمامُ الصادقُ أصحابَه في التعاملِ مَعَ مَنْ يحملُ اسمَ محمّدٍ، ففي خبرِ أبي هارونَ قالَ: كنتُ جليساً لأبي عبدِ اللهِ (عليه السلام) بالمدينةِ، ففقدني أيّاماً، ثمّ جئتُ إليهِ، فقالَ: «لمْ أرَكَ منذُ أيّامٍ يا أبا هارونَ»، فقلتُ: وُلِدَ لي غلامٌ، فقالَ: «باركَ اللهُ لكَ، فمَا سمَّيتَه؟» قلتُ: سمَّيتُهُ محمَّداً، فأقبلَ بخدِّه نحوَ الأرضِ وهوَ يقولُ: «محمَّدٌ محمَّدٌ محمَّدٌ، حتّى كادَ يُلصِقُ خدَّه بالأرضِ، ثمَّ قالَ: بنفسي وبوِلدِي وبأهلي وبأبَوَيَّ وبأهلِ الأرضِ كلِّهِمْ جميعاً الفداءُ لرسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم)؛ لا تسُبَّهُ، ولا تضربْهُ، ولا تُسِئ إليه؛ واعلمْ أنَّهُ ليسَ في الأرضِ دارٌ فيها اسمُ محمَّدٍ إلَّا وهي تُقدِّسُ كلَّ يوم»[9].
ختاماً، نعزِّي صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجل الله فرجه الشريف)، ووليَّ أمرِ المسلمينَ، والمجاهدينَ جميعاً، بذكرى وفاةِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وشهادةِ سبطِهِ الإمامِ الحسنِ المجتبى (عليه السلام)، وثامنِ الحُجَجِ الإمامِ عليِّ بنِ موسى الرضا (عليهما السلام).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة النساء، الآية 59.
[2] سورة الحشر، الآية 7.
[3] سورة الأحزاب، الآية 36.
[4] سورة النساء، الآية 65.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص493.
[6] سورة الأحزاب، الآية 56.
[7] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص368.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج6، ص20.
[9] المصدر نفسه، ج6، ص39.