مِنْ أفضلِ ما وردَ مِنَ الرواياتِ في بيانِ منزلةِ المجاهد، هو ما رُويَ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّ اَلْجِهَادَ بَابٌ فَتَحَهُ اَللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَسَوَّغَهُمْ كَرَامَةً مِنْهُ لَهُمْ، وَنِعْمَةٌ ذَخَرَهَا. وَاَلْجِهَادُ لِبَاسُ اَلتَّقْوَى، وَدِرْعُ اَللَّهِ اَلْحَصِينَةُ، وَحِصْنُهُ اَلْوَثِيقَةُ؛ فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ، أَلْبَسَهُ اَللَّهُ ثَوْبَ اَلْمَذَلَّةِ»[1].
وفي الآخرةِ لأهلِ الجهادِ بابٌ يرِدُون فيه إلى الجنّةِ بالكرامةِ والمنزلةِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فعنْ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): «لِلْجَنَّةِ بَابٌ يُقَالُ لَهُ: بَابُ اَلْمُجَاهِدِينَ، يَمْضُونَ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ مَفْتُوحٌ وَاَلْمُجَاهِدُونَ مُتَقَلِّدُونَ سُيُوفَهُمْ، وَاَلْجَمْعُ فِي اَلْمَوْقِفِ، وَاَلْمَلاَئِكَةُ تَتَرَحَّبُ بِهِمْ، فَمَنْ تَرَكَ اَلْجِهَادَ أَلْبَسَهُ اَللَّهُ ذُلّاً، وَفَقْراً فِي مَعِيشَتِهِ، وَمَحْقاً فِي دِينِهِ. إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعَزَّ أُمَّتِي بِسَنَابِكِ خَيْلِهَا وَمَرَاكِزِ رِمَاحِهَا»[2].
والجهادُ هو كرامةٌ مِنَ اللهِ تعالى، اختصَّ بها عبادَه الصالحين، وميّزهُم بها عنْ غيرِهم مِن بني البشر، وقد صَرّحتِ الآياتُ والرواياتُ بفضلِ المجاهدِ ومنزلتِه عندَ الله، نذكرُ منها الآتي:
1ـ مفضَّلٌ عندَ الله: مدحَ اللّهُ تعالى عبادَه المجاهدينَ في أكثرَ مِن موضعٍ مِن كتابِه العزيزِ، جاعلاً الأفضليةَ لهُم على غيرِهم مِن القاعدينَ، فقالَ عزَّ وجلَّ: ﴿لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾[3].
2ـ خيرُ الناس: فعنْ رسولِ اللهِ (صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ): «مِنْ خَيْرِ اَلنَّاسِ رَجُلٌ حَبَسَ نَفْسَهُ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ، يُجَاهِدُ أَعْدَاءَهُ، يَلْتَمِسُ اَلْمَوْتَ أَوِ اَلْقَتْلَ فِي مَطَافِهِ»[4].
3ـ الأقربُ إلى درجةِ النبوّة: ففي المرويِّ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه): «أقرَبُ النّاسِ مِن دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ، أهلُ الجِهادِ وأهلُ العِلمِ»[5].
4ـ خطواتُه يحبُّها اللهُ عزَّ وجلَّ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ خُطْوَةٍ أَحَبُّ إلى اَللَّهِ مِنْ خُطْوَتَيْنِ: خُطْوَةٍ يَسُدُّ بِهَا صَفّاً فِي سَبِيلِ اَللَّهِ تَعَالَى، وَخُطْوَةٍ إلى ذِي رَحِمٍ قَاطِعٍ يَصِلُهَا»[6].
ومِن أعظمِ ثمارِ الجهادِ، أنْ يقيَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ في الآخرةِ نارَ جهنَّم، ففي الروايةِ عَنِ النبيِّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): «لاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَدُخَانٌ فِي جَهَنَّمَ»[7].
وثمرةُ الجهادِ مغفرةٌ للذنوبِ حتَّى لو لمْ يُرزَقِ الشهادة، فعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَقَالَ: إِنِّي رَاغِبٌ نَشِيطٌ فِي اَلْجِهَادِ. قَالَ: فَجَاهِدْ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ، فَإِنَّكَ إِنْ تُقْتَلْ كُنْتَ حَيّاً عِنْدَ اَللَّهِ تُرْزَقُ، وَإِنْ مِتَّ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُكَ عَلَى اَللَّهِ، وَإِنْ رَجَعْتَ خَرَجْتَ مِنَ اَلذُّنُوبِ إلى اَللَّهِ»[8].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج6، ص123.
[2] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص189.
[3] سوء النساء، الآية 95.
[4] ابن حيون، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام، ج1، ص327.
[5] المتقيّ الهنديّ، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ج4، ص310.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص152.
[7] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج11، ص13.
[8] الشيخ العياشي، تفسير العياشي، ج1، ص206.