عَنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى اَلرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عَلَيْهِم اَلسَّلاَمُ)، قَالَ: «جَاءَ خَالِدٌ بنُ زيدٍ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، أَوْصِنِي وَ أَقِلَّهُ، لَعَلِّي أَحْفَظُ؛ فَقَالَ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): «أُوصِيكَ بِخَمْسٍ: بِالْيَأْسِ مِمَّا فِي أَيْدِي اَلنَّاسِ، فَإِنَّهُ اَلْغِنَى اَلْحَاضِرُ؛ وَإِيَّاكَ وَاَلطَّمَعَ، فَإِنَّهُ اَلْفَقْرُ اَلْحَاضِرُ؛ وَصَلِّ صَلاَةَ مُوَدِّعٍ؛ وَإِيَّاكَ وَمَا تَعْتَذِرُ مِنْهُ؛ وَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ»[1].
تحتوي وصيّةُ النبيِّ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه)، وباختصارٍ بليغ، بناءً على طلبِ السائل، على خمسِ خِصالٍ لا بدَّ مِن أنْ يسعى المؤمنُ للتحلِّي بها، وهي:
1ـ الْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي اَلنَّاسِ: لمَّا كانَ الغنى والفقرُ، في ما وردَ من رواياتٍ عنْ أهلِ البيتِ (عليهمُ السلام)، يرتبطُ بالنفس، فالغنيُّ هو الذي لا يتعلَّقُ أملُه بما يجِدُهُ لدى الناسِ مِنْ مالٍ أو منصبٍ أو نحوِ ذلك. لذا، يصفُ ذلكَ النبيُّ (صلَّى اللهُ عليه وآلِه) بأنّه: «اَلْغِنَى اَلْحَاضِرُ»، وعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إنْ أردتَ أنْ تَقَرَّ عينُكَ، وتنالَ خيرَ الدنيا والآخرة، فاقْطَعِ الطمعَ عمَّا في أيدي الناس»[2].
2ـ اجتنابُ اَلطَّمَعَ: وفي مقابلِ الصفةِ الأولى، يقعُ الطمع؛ وذلكَ عندما يبدأُ الإنسانُ بالتفكيرِ في التصرُّفِ في أموالِ غيرِه، والانتفاعِ ممَّا ليسَ له. والشيطانُ يزيِّنُ ذلكَ للإنسانِ بطُرُقٍ شتّى، كالتملُّقِ لأربابِ الثروةِ وأصحابِ المناصبِ والجاه. ويصفُ النبيُّ (صلواتُ اللهِ عليه وآلِهِ) ذلكَ بـ«اَلْفَقْرِ اَلْحَاضِر»، وعنه (صلَّى اللَّهُ عليه وآلِه): «إيّاكُم واستِشعارَ الطَّمعِ؛ فإنَّهُ يَشُوبُ القَلبَ شِدَّةَ الحِرصِ، ويَختِمُ على القُلوبِ بطَبائعِ حُبِّ الدنيا، وهُو مِفتاحُ كُلِّ سَيِّئَةٍ، ورَأسُ كُلِّ خَطيئةٍ، وسَبَبُ إحباطِ كُلِّ حَسَنَةٍ»[3].
3ـ أنْ تكونَ صلاتُه صَلاَةَ مُوَدِّعٍ: وذلكَ بأنْ يَستحضِرَ في نفسِهِ أنَّها لعلَّها تكونُ آخرَ صلاةٍ يؤدِّيها، فلا يضمنَ البقاءَ للصلاةِ التالية، فعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إذا صَلَّيْتَ صَلَاةَ فَرِيْضَة، فَصَلِّها لِوَقتِها، صلاةَ مُوَدِّعٍ يَخافُ أنْ لا يَعودَ إلَيها أبداً، ثُمَّ اصرِفْ بِبَصَرِكَ إلى مَوضِعِ سُجودِكَ، فلَو تَعلَمُ مَنْ عَنْ يَمينِكَ وشمالِكَ، لأَحسَنتَ صلاتَكَ؛ وَاعلَمْ أنّكَ بَينَ يَدَي مَنْ يَراكَ ولا تَراهُ»[4].
4ـ اجتنابُ فعلِ ما يستدعي الاعتذارَ منه: والاعتذارُ هو التصرُّفُ الذي يقومُ بهِ الفردُ للتعبيرِ عَنِ الندمِ على ما فعلَه، وهذا يعني الاعترافَ بالخطأ، وقدْ وردَ الحثُّ على قَبولِ العُذر، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «اِقبَلْ عذرَ أخيك، وإنْ لم يكنْ له عذرٌ، فالتمسْ له عذراً»[5]، ولكنْ أيضاً وردَ الحثُّ على أنْ ينظرَ الإنسانُ في ما يقومُ بهِ منْ فعلٍ أنْ لا يوقِعَهُ لاحقاً في الاعتذارِ منه، فعَنِ الإمامِ الحُسَيْنِ (عليه السَّلام): «إيَّاكَ وَمَا تَعْتَذِرُ مِنْهُ، فإنَّ المُؤْمِنَ لا يُسِيءُ وَلا يَعْتَذرُ، وَالمُنَافِقُ كُلَّ يَومٍ يُسِيءُ وَيَعْتَذِرُ»[6].
5ـ أنْ يُحِبَّ لِأَخِيه مَا يحِبُّ لِنَفْسه: وفي وصيّةِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) بيانٌ لمفرداتِ ذلك، فعنْهُ (عليه السلام): «يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِي مَا بَينَكَ وَبَينَ غَيرِكَ، فَأَحبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ»[7].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج16، ص26.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج70، ص168.
[3] الشيخ الديلميّ، أعلام الدين في صفات المؤمنين، ص340.
[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص256.
[5] الشيخ الكراجكيّ، كنز الفوائد، ج1، ص93.
[6] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول، ص248.
[7] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص397، الكتاب 31.