«علينا ألَّا ننظرَ إلى شهيدِنا العزيزِ «الحاج قاسم سليماني» على أنَّه فردٌ، بلْ علينا أنْ ننظرَ إليه كمدرسة. علينا أنْ ننظرَ إلى شهيدِنا القائدِ العزيزِ على أنَّه مَذهبٌ، على أنَّه نهجٌ، على أنَّه مدرسةٌ للتعلُّم؛ فلننظرْ إليهِ بهذهِ النظرة»، الإمام الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه).
والمدرسةُ هي نظريّةٌ شاملةٌ لمشروعٍ جامعٍ ومتناسقٍ ومنسجم. ومنْ معالمِ مدرسةِ الشهيدِ «الحاج قاسم»، العشقُ للوصولِ إلى درجةِ الشهادة، ونيلِ مقامِ الشهداء، وهو عنصرٌ قائمٌ على أساسِ البذْلِ والعطاءِ والتخلِّي عنْ هذهِ الدنيا. يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سِرُّه) عنِ الشهادة: «كمْ هُمْ غافلونَ محِبُّو الدنيا الذينَ يبحثونَ عنْ قيمةِ الشهادةِ في صفحاتِ الطبيعة، ويفتِّشونَ عنْ أوصافٍ لها في الأناشيدِ والملاحمِ والأشعار، ويتوسَّلونَ كشْفَها بالفنِّ التخيُّليِّ وكتابِ التعقُّل؛ حاشا لهذا اللُغزِ أنْ يُحَلَّ بغيرِ العشق!»[1].
وهذه الحالةُ التي كانَ يعيشُها المجتمعُ الإسلاميُّ في مواجهةِ الاستكبارِ العالميِّ هيَ منْ مقوِّماتِ انتصارِه. يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سِرُّه): «إنَّ الشيءَ الذي أدَّى إلى انتصارِ بلدِنا وشعبِنا، كانَ الإيمانَ باللهِ وعشْقَ الشهادة؛ عشقَ الشهادةِ في مقابلِ الكفر؛ في مقابلِ النفاق؛ ومنْ أجلِ حفظِ الإسلام».
لقدْ تميَّزتْ شخصيَّةُ «الشهيد سليماني» بهذا العشقِ طيلةَ سنواتِ جهادِه المتمادية؛ مِنَ الحربِ المفروضةِ على الجمهوريّةِ الإسلاميّةِ، حتّى آخرِ لحظةٍ منْ حياتِه في مواجهةِ التكفيريِّين. يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «لقدِ اقتربَ «الحاج قاسم» مئاتِ المرّاتِ منَ الشهادة. لم يكنْ يخافُ شيئاً في طريقِ الله، في طريقِ أداءِ التكليف، في طريقِ الجهادِ في سبيلِ الله... لدينا شهداءُ كثُر؛ ولدينا أيضاً شهداءُ منَ الأفرادِ العاديِّين؛ لكنَّني لا أذكرُ شهيداً غيرَ «الحاج قاسم»، فقد استُشهِدَ على أيدي أخبثِ الناسِ في العالم؛ أي الأمريكيِّين، وهم يفتخرونَ أنَّهم استطاعوا قتلَه. جهادُه هذا كانَ جهاداً عظيماً؛ ولقدْ جَعلَ اللهُ تعالى شهادتَه شهادةً عظيمة... كانَ على «الحاج قاسم» أنْ يُستَشْهَدَ بهذهِ الطريقة... لقدْ كانتْ تلك أُمنيَّتَه. كانَ يبكي لكي يُرزقَ الشهادة... شوقُهُ إلى الشهادةِ كانَ يُجري مدامِعَه؛ وقدْ حقَّقَ أُمنيَّتَه».
يَكتبُ القائدُ «الشهيد سليماني» في ملاحظةٍ لهُ يخاطِبُ فيها «عليّ خوش» راويَ كتابِ (عندما اختفى القمر)، يَكتبُ لفظَ: «أخي العزيز، عليُّ الحبيب! لقد رأيتَ كلَّ الشهداءِ وحقائقَ تلكَ المرحلةِ [مرحلةِ الدفاعِ المقدَّس] في وجهِك. لقدْ ألقيتَ -دُفعةً واحدةً- كلَّ ذكرياتي في وجهي. كم كانَ كلامُكَ جميلاً عنْ أشخاصٍ فَقدتُ المئاتِ منهم، وما أزالُ أشيِّعُ كلَّ شهرٍ واحداً منهم، وأستحي أنْ أشاركَ في تشييعِ جنائزِهم. قبلَ عَشرةِ أيّام، فقدتُ أفضَلَهم؛ مراداً وحيدرَ. أمَّا أنا، فلا أذهبُ ولا أموت؛ في حينِ أنِّي أتحرَّقُ شوقاً لوصلِ واحدٍ منْ أُسودِ الأمسِ الذينَ يُعدُّون بالمئات، ولا أدري ما العمل! لقدْ عمَّ هذا الوجعُ اليومَ كلَّ وجودي، ورششتَ أنتَ الملحَ فوقَ جراحي».
أعظمُ التهاني والتبريكاتِ بالذكرى السنويَّةِ لشهادةِ القائدِ «الشهيد الحاج قاسم سليماني» والقائدِ «الشهيد أبي مهدي المهندس» ورفاقِهِما.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرُّه)، صحيفة الإمام، ج20، ص164.