في المناجاةِ الشعبانيَّةِ لأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِلهِي، إِنْ كانَ صَغُرَ فِي جَنْبِ طاعَتِكَ عَمَلِي، فَقَدْ كَبُرَ فِي جَنْبِ رَجائِكَ أَمَلِي. إِلهِي، كَيْفَ أَنْقَلِبُ مِنْ عِنْدِكَ بِالخَيْبَةِ مَحْرُوماً، وَقَدْ كانَ حُسْنُ ظَنِّي بِجُودِكَ أَنْ تَقْلِبَنِي بالنَّجاةِ مَرْحُوماً»[1].
يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سِرُّه): «إنَّ شهرَ شعبانَ هو مقدِّمةٌ لشهرِ رمضان، يستعدُّ الناسُ فيه للدخولِ في ضيافةِ الله... وخيرُ طريقةٍ لذلكَ هيَ المناجاةُ الشعبانيَّة. وأنا لم أرَ في الأدعيةِ أيَّ دعاءٍ قيلَ إنَّ جميعَ الأئمَّةِ كانوا يقرأونَه إلَّا دعاءَ المناجاةِ الشعبانيَّة، ولم أرَ أنَّ الأئمَّةَ كانوا يَدْعُونَ بدعاءٍ آخرَ غيرِ المناجاةِ الشعبانيَّة؛ لأنَّ المناجاةَ الشعبانيَّةَ هي لإعدادِكُم، لإعدادِ الجميعِ لضيافةِ اللهِ عزَّ وجلَّ»[2].
ومِنَ الفِقْراتِ المهمَّةِ في هذه المناجاة، ما يتعلَّقُ بالأملِ باللهِ عزَّ وجلَّ، وحُسنِ الظنِّ به.
1ـ الأملُ العظيمُ باللهِ عزَّ وجلَّ: مهما واظبَ الإنسانُ على فِعلِ الخيرِ، فإنَّ عليه أنْ لا يذهبَ بهِ ظنُّهُ إلى أنَّ ذلكَ كثير، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إنَّ للَّهِ عِباداً... لا يَستَكثِرونَ لَهُ الكَثيرَ، ولا يَرضَونَ لَهم مِن أنفُسِهِم بِالقَليلِ»[3]، وعَنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام): «ثَلاثٌ قاصِماتُ الظَّهرِ: رَجُلٌ استَكثَرَ عَمَلَهُ، ونَسِيَ ذُنوبَهُ، وأُعجِبَ بِرَأيِهِ»[4].
لذا، على المؤمنِ العاملِ أنْ يرى كثيرَ عملِهِ قليلاً، وكبيرَ عملِهِ صغيراً، وبسببِ ذلكَ يتعلَّقُ أملُهُ برجاءِ العطاءِ والتفضُّلِ الإلهيِّ عليه. والمناجاةُ في هذهِ الدنيا هيَ مِنْ أسبابِ نَيلِ رحمةِ اللهِ في الآخرة، فعنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام): «تَعَرَّضْ للرّحمَةِ وعَفوِ اللَّهِ بحُسنِ المُراجَعَةِ، واستَعِنْ على حُسنِ المُراجَعَةِ بخالِصِ الدعاءِ والمُناجاةِ في الظُّلَمِ»[5].
2ـ حُسْنُ الظنِّ باللهِ عزَّ وجلَّ: معنى حُسْنِ الظنِّ باللهِ عَزَّ وجَلَّ هو اعتمادُ المؤمنِ على ربِّهِ، ويقينُه الكاملُ وثقتُه التامَّةُ بوعدِ اللهِ ووعيدِه، واطمئنانُه بما عندَ اللهِ، وعدمُ الاتّكالِ المُطلَقِ على تدبيرِ نفسِهِ وما يقومُ بهِ منْ أعمال، وفي الحديثِ المرويِّ عنْ رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه): «والذي لا إلهَ إلَّا هُو، لا يَحسُنُ ظَنُّ عبدٍ مُؤمِنٍ بِاللَّهِ، إلَّا كانَ اللَّهُ عندَ ظَنِّ عَبدِهِ المؤمِنِ؛ لأنَّ اللَّهَ كَريمٌ، بِيَدِهِ الخَيراتُ، يَستَحْيِي أن يكونَ عَبدُهُ المؤمِنُ قد أحسَنَ بهِ الظَّنَّ، ثُمّ يُخلِفُ ظَنَّهُ ورَجاهُ، فَأحسِنُوا بِاللَّهِ الظَّنَّ، وارغَبُوا إلَيهِ»[6].
وفي روايةٍ أخرى عنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه): «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَا يَتَّكِلِ الْعَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِي، فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَهَدُوا وَأَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ أَعْمَارَهُمْ فِي عِبَادَتِي، كَانُوا مُقَصِّرِينَ غَيْرَ بَالِغِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ كُنْهَ عِبَادَتِي في مَا يَطْلُبُونَ عِنْدِي مِنْ كَرَامَتِي، وَالنَّعِيمِ فِي جَنَّاتِي، وَرَفِيعِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي جِوَارِي، وَلَكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا، وَفَضْلِي فَلْيَرْجُوا، وَإِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِي فَلْيَطْمَئِنُّوا؛ فَإِنَّ رَحْمَتِي عِنْدَ ذَلِكَ تُدْرِكُهُمْ، وَمَنِّي يُبَلِّغُهُمْ رِضْوَانِي، وَمَغْفِرَتِي تُلْبِسُهُمْ عَفْوِي؛ فَإِنِّي أَنَا اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَبِذَلِكَ تَسَمَّيْتُ»[7].
ولحُسْنِ الظنِّ -أيضاً- أسبابُه في عملِ الإنسانِ، فعَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «حُسْنُ الظَّنِّ أن تُخلِصَ العَمَلَ، وتَرجُوَ مِنَ اللَّهِ أنْ يَعفُوَ عَنِ الزَّلَلِ»[8].
ختاماً، نباركُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فرجَه الشريف)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى الولادةِ العَطِرةِ للإمام الحسين بن علي (عليه السلام) والإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) وأبي الفضل العباس (عليه السلام).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج3، ص297.
[2] الإمام الخمينيّ، صحيفة الإمام (ترجمة عربية)، ج13، ص31.
[3] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص394.
[4] الشيخ الصدوق، الخصال، ج1، ص112.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص164.
[6] المصدر نفسه، ج67، ص366.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص61.
[8] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص229.