قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾[1].
المساجدُ بيوتُ اللهِ عزَّ وجلَّ في هذه الأرض، يسعى المؤمنُ للذهابِ بخشوعٍ إليها، وهو يدرِكُ كم لذلك مِنَ الفضلِ العظيمِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فمِمّا رُويَ عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وصيّتِهِ:
«يا أبا ذرّ، مَن أجابَ داعيَ الله، وأحسَنَ عِمارةَ مساجدِ الله؛ كان ثوابُهُ مِنَ اللهِ الجنّة. فقلتُ: بأبي أنتَ وأُمّي يا رسولَ الله، كيف تُعْمَرُ مساجدُ الله؟ قال: لا تُرفَعُ فيها الأصوات، ولا يُخاضُ فيها بالباطل، ولا يُشترَى فيها ولا يُباع. واترُك اللّغوَ ما دمتَ فيها، فإنْ لم تفعلْ، فلا تلومَنَّ يومَ القيامةِ إلّا نفسَك»[2].
«يا أبا ذرّ، إنّ اللهَ تعالى يُعطيكَ ما دمتَ جالساً في المسجدِ بكلِّ نَفَسٍ تَنَفَّسْتَ فيهِ درجةً في الجنّة، وتُصلّي عليكَ الملائكة، ويُكْتَبُ لكَ بِكُلِّ نَفَسٍ تنفَّسْتَ فيه عَشرُ حسنات، ويُمحى عنك عَشرُ سيّئات»[3].
«يا أبا ذرّ، إسباغُ الوضوءِ في المكارِهِ مِنَ الكفّارات، وكثرةُ الاختلافِ إلى المساجد، فذلكُمُ الرباط»[4].
«يا أبا ذرّ، يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى: إنّ أَحَبَّ العبادِ إليّ المتحابّونَ مِنْ أَجْلِي، المتعلِّقَةُ قلوبُهم بالمساجد، والمستغفرونَ بالأسحار؛ أُولئكَ إذا أردتُ بأهلِ الأرضِ عقوبةً، ذكَرْتُهُم، فصرفْتُ العقوبةَ عنهم»[5].
وجاءَ عن الإمامِ الصادقِ، عن آبائِهِ الكرامِ، عن رسولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «ومَن مشى إلى مسجدٍ يَطلبُ فيه الجماعةَ، كان له بكلِّ خطوةٍ سبعون ألفَ حسنةٍ، ويُرفَعُ له مِنَ الدرجاتِ مِثلُ ذلك»[6].
ومضافاً إلى البُعد العباديّ، يرتبطُ الحضورُ إلى المساجدِ بفوائدَ كثيرةٍ فيها صلاحُ هذا الإنسانِ وصلاحُ آخرتِه، يقول الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلُّه): «إنّ إطلاقَ ظاهرةِ المسجدِ في قِبا أوّلاً، ثمّ في المدينة، كان مِن أجملِ وأعمقِ إبداعاتِ الإسلامِ في بدايةِ تأسيسِ المجتمعِ الإسلاميّ. بيتُ اللهِ وبيتُ الناس، خلوةُ الأُنسِ مع الله، وتجلّي الحشرِ مع الناس، قُطبُ الذِّكرِ والمعراجُ المعنويّ، وميدانُ العلمِ والجهادِ والتدبيرِ الدُنيويّ، مكانُ العبادةِ ومَقَرُّ السياسة؛ ثنائيّاتٌ مترابطةٌ تُظهِرُ صورةَ المسجدِ الإسلاميِّ، واختلافَهُ عن أماكنِ العبادةِ الشائعةِ في الأديانِ الأخرى»[7].
ومِنَ الأمورِ التي أَكَّدَ عليها الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلُّهُ) في المواجَهةِ الثقافية، ضرورةُ وجودِ المقرّاتِ الثقافية، ومِن أهمِّها اجتماعُ المؤمنينَ للصلاة، يقولُ (حفظه المولى): «نحن في وسطِ معركةٍ كهذه، وفي حالةِ جهادٍ مِن هذا النوع... إنّهم يهاجِمون إيمانَ أبناءِ الشعبِ وبصيرةَ الناس، ويهاجمون تقوانا وأخلاقَنا، ويَنشُرون مختلفَ الشبهاتِ المعنويّةِ الخطيرةِ في أوساطِنا. لذا، يجبُ علينا الدفاع، وهذا يحتاجُ إلى مركزِ عمليّاتٍ ومَقَرٍّ، كما هي الحالُ في مَقَرّاتِ ساحةِ الحرب. وصلاةُ الجمعةِ تُعتبَرُ واحداً مِن أهمِّ هذه المقرّات، فهي مقرُّ الإيمان؛ مقرُّ التقوى. والقائدُ لمقرِّ إمامةِ الجمعة، هو إمامُ الجمعةِ نفسُه»[8].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة التوبة، الآية 18.
[2] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص467.
[3] المصدر نفسه.
[4] المصدر نفسه.
[5] المصدر نفسه.
[6] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص17.
[7] نداء الإمام الخامنئيّ (دام ظله) لملتقى الصلاة العام التاسع عشر، بتاريخ 12/10/2010م.
[8] كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقائه أئمّة الجمعة من مختلف أنحاء البلاد، بتاريخ 04/01/2016م.