وردَ في نهجِ البلاغةِ: وقَالَ أَمِيرُ المؤمِنِينَ (عليه السلام) لِقَائِلٍ قَالَ بِحَضْرَتِه: أَسْتَغْفِرُ اللَّه: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! أَتَدْرِي مَا الِاسْتِغْفَارُ؟! الِاسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ، وهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ؛ أَوَّلُهَا النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى، والثَّانِي الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْه أَبَداً، والثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ، حَتَّى تَلْقَى اللَّه أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ، والرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا، والْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيبَه بِالأَحْزَانِ، حَتَّى تُلْصِقَ الْجِلْدَ بِالْعَظْمِ، ويَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ، والسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَه حَلَاوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّه»[1].
مِنْ بينِ الأعمالِ الّتي وردَ الحثُّ عليها في شهرِ رمضانَ، أنْ يلجأَ العبدُ إلى الاستغفارِ؛ لأنّهُ فَكاكٌ لرقبتِهِ مِنَ النار، فعنِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله): «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ، فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ، وَظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ، فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ»[2]، وعنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «عَلَيْكُمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِكَثْرَةِ الِاسْتِغْفَارِ والدُّعَاءِ»[3]، ورُويَ أنّهُ: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) إِذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ، لَمْ يَتَكَلَّمْ إِلَّا بِالدُّعَاءِ وَالتَّسْبِيحِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّكْبِير»[4].
وللاستغفارِ آثارُهُ في حياةِ الإنسانِ في الدنيا والآخرةِ، وقدْ وردَ بيانُ ذلكَ في العديدِ مِنَ الرواياتِ، منها:
1. بثُّ الأملِ: ذلكَ أنَّ الإنسانَ إذا تفكّرَ في عظيمِ ذنبِهِ وعظيمِ ما أوعدَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليهِ مِنَ العقابِ، قدْ يحصلُ لهُ القنوطُ واليأسُ، والاستغفارُ يحولُ دونَ ذلكَ، عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَمَعَهُ اَلاِسْتِغْفَارُ!»[5].
2. وفورُ النعمِ الإلهيَّةِ: الذنوبُ تمنعُ الرزقَ، وتحولُ بينَ الإنسانِ ونِعَمِ اللهِ عليهِ، ورَفْعُ ذلكَ يكونُ بالاستغفارِ، عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «وَقَدْ جَعَلَ اَللَّهُ سبحانَهُ اَلاِسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ اَلرِّزْقِ ورَحْمَةِ اَلْخَلْقِ»[6].
هذا، وكما يشملُ الرزقَ المادّيَّ المرتبطَ بحاجاتِ هذهِ الدنيا، يشملُ أيضاً الرزقَ المعنويَّ منَ التوفيقاتِ الإلهيّةِ الّتي ينالُها صاحبُ الاستغفارِ، وهيَ ما ترتبطُ بعلوِّ الدرجةِ في الآخرةِ وتحقيقِ مقاماتٍ منَ القربِ الإلهيِّ.
3. الأمانُ منْ مخاطرِ الذنوبِ: عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «كَانَ فِي اَلْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اَللَّهِ، وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا، فَدُونَكُمُ اَلْآخَرَ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ؛ أَمَّا اَلْأَمَانُ اَلَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلّى الله عليه وآله)، وَأَمَّا اَلْأَمَانُ اَلْبَاقِي فَالاِسْتِغْفَار، قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمٰا كٰانَ اَللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾[7]»[8].
فالذنوبُ والأخطاءُ حتماً لها آثارٌ ونتائجُ تنعكسُ سلباً في حياةِ هذا الإنسانِ، ومنها ما يكونُ على النفوسِ، كالحزنِ والغمِّ والهمِّ والقلقِ والاضطرابِ وسرعةِ الغضبِ والتعدّي على الناسِ، وعلاجُ ذلكَ يكونُ بالاستغفارِ؛ إذْ إنّهُ سكينةٌ لهذهِ النفسِ، وراحةٌ للبالِ، وتعلُّقٌ بمَنْ بيدِهِ مقاليدُ السماواتِ والأرضِ.
4ـ العصمةُ منَ الذنوبِ: عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «ثلاثةٌ معصومونَ مِنْ إبليسَ وجنودِهِ: الذاكرونَ للهِ، والباكونَ مِنْ خشيةِ اللهِ، والمستغفرونَ بالأسحارِ»[9]، وذلكَ مِنْ توفيقِ اللهِ عزَّ وجلَّ لأهلِ الاستغفارِ، فلا تتكرَّرُ منهُ المعصيةُ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص549، الحكمة 417.
[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص94.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص88.
[4] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص309.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص482، الحكمة 87.
[6] المصدر نفسه، ص199، الخطبة 143.
[7] سورة الأنفال، الآية 33.
[8] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص483، الحكمة 88.
[9] الشيخ الديلميّ، إرشاد القلوب إلى الصواب، ج1، ص196.