رُويَ أنَّ جبرئيلَ أتى النبيَّ (صلّى الله عليه وآله)، يسألُهُ عنْ خديجةَ، فلمْ يجدْها، فقالَ: «إذا جاءَتْ، فأخبرْها أنَّ ربَّها يُقرِئُها السلامَ»[1].
وفي روايةٍ: عندما بلّغَها النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) السلامَ منْ ربِّها ومنْ جبرئيلَ، قالَتْ: «اللهُ السلامُ، ومنهُ السلامُ، وعلى جبريلَ السلامُ»[2].
أوّلُ النساءِ إسلاماً، ومنْ أكثرِ مَنْ تحمّلَ الأذى في سبيلِ رفعِ رايةِ الإسلامِ، وهيَ مَنْ ضحَّتْ وجاهدَتْ وبذلَتْ مالَها كلَّه لأجلِ هذا الدينِ، وهيَ الّتي يصفُها رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، حينَ تعجّبَتْ إحدى زوجاتِهِ منْ كثرةِ ذكرِهِ (صلّى الله عليه وآله) لها (عليها السلام)، فردَّ عليها قائلاً: «صدّقَتْني إذْ كذّبَني الناسُ...» [3].
وقدْ وصلَتْ خديجةُ (سلامُ الله عليها) إلى مقامِ الاصطفاءِ الإلهيِّ، فعنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ اختارَ مِنَ النساءِ أربعاً: مريمَ وآسيةَ وخديجةَ وفاطمةَ»[4].
وتلكَ المكانةُ الّتي كانَتْ في قلبِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) لها (عليها السلام)، إنّما تعودُ لِجهادِها بينَ يدَيْهِ (صلّى الله عليه وآله)، إذْ كانت خيرَ أنيسٍ ومعينٍ وسندٍ؛ لذا كانَ تقديرُ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) لها حتّى بعدَ ارتحالِها عنِ الدنيا، فكانَ إذا ذُكِرَتْ بكى (صلّى الله عليه وآله) وذكرَ فضائلَها، عنْ أمِّ سلمة: لمّا ذكرْنا خديجةَ، بكى رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)، ثمَّ قالَ: «خديجة! وأينَ مثلُ خديجةَ؟! صدّقَتْني حينَ كذَّبَني الناسُ، وآزرَتْني على دينِ اللهِ، وأعانَتْني عليهِ بمالِها؛ إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أمرَني أنْ أُبشِّرَ خديجةَ ببيتٍ في الجنّةِ مِنْ قصبِ الزمرُّدِ، لا صخبَ فيهِ ولا نَصَبَ»[5].
كانَتْ وفاةُ السيّدةِ خديجةَ في اليومِ العاشرِ منْ شهرِ رمضانَ، قبلَ الهجرةِ بثلاثِ سنواتٍ، في عامِ الحزنِ، وقدْ وردَ أنَّها دعَتِ ابنتَها فاطمةَ (عليها السلام)، وأوصَتْها قائلةً: «يا حبيبتي وقرّةَ عيني، قولي لأبيكِ: إنَّ أمّي تقولُ: أنا خائفةٌ منَ القبرِ، أريدُ منكَ رداءَكَ الّذي تلبَسُهُ حينَ نزولِ الوحيِ، تُكفِّنُني فيهِ»؛ فخرجَتْ فاطمةُ، وقالَتْ لأبيها ما قالَتْ أمُّها خديجةُ، فقامَ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله)، وسلَّمَ الرداءَ إلى فاطمةَ، وجاءَتْ بهِ إلى أمِّها، فسُرَّتْ بهِ سروراً عظيماً، فلمّا تُوفّيَتْ أخذَ رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) في تجهيزِها، وغسَّلَها وحنَّطَها، فلمّا أرادَ أنْ يكفِّنَها، هبطَ الأمينُ جبرئيلُ، وقالَ: «يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ يُقرِئُكَ السلامَ، ويخصُّكَ بالتحيّةِ والإكرامِ، ويقولُ لكَ: يا محمّدُ، إنَّ كفنَ خديجةَ، وهوَ منْ أكفانِ الجنّةِ، أهدى اللهُ إليها»، فكفّنَها رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) بردائِهِ الشريفِ أوّلاً، وبما جاءَ بهِ جبرئيلُ ثانياً، فكانَ لها كفنانِ؛ كفنٌ مِنَ اللهِ وكفنٌ مِنْ رسولِ اللهِ»[6].
فسلامٌ عليها يومَ وُلِدَتْ، ويومَ ماتَتْ، ويومَ تُبعَثُ مِنْ مرقدِها.
نُعزّي صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ فرجَه) ووليَّ أمرِ المسلمينَ والمجاهدينَ جميعاً بذكرى وفاةِ السيّدةِ خديجةَ الكبرى (سلامُ الله عليها).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] فتّال النيشابوريّ، روضة الواعظين وبصيرة المتّعظين، ج2، ص269.
[2] ابن هشام الحميريّ، السيرة النبويّة، ج1، ص159.
[3] فتّال النيشابوريّ، روضة الواعظين وبصيرة المتّعظين، ج2، ص269.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج14، ص201.
[5] الشيخ الإربليّ، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، ج1، ص360.
[6] الشيخ محمّد مهدي الحائريّ، شجرة طوبى، ج2، ص235 - 237.