عنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ مِنَ المُؤمِنينَ كانَ في كَنَفِ اللّهِ، وأظَلَّهُ اللّهُ يَومَ القِيامَةِ في ظِلِّ عَرشِهِ، وآمَنَهُ مِن فَزَعِ اليَومِ الأَكبَرِ: مَن أعطَى النّاسَ مِن نَفسِهِ ما هُوَ سائِلُهُم لِنَفسِهِ، ورَجُلٌ لَم يُقَدِّم يَداً ولا رِجلاً حَتّى يَعلَمَ أنَّهُ في طاعَةِ اللّه قَدَّمَها أو في مَعصِيَتِهِ، ورَجُلٌ لَم يَعِبْ أخاهُ بِعَيبٍ حَتّى يَترُكَ ذلِكَ العَيبَ مِن نَفسِهِ، وكَفى بِالمَرءِ شُغُلاً بِعَيبِهِ لِنَفسِهِ عَن عُيوبِ النّاسِ»[1].
وردَ في الكثيرِ منَ الرواياتِ عنْ أهلِ بيتِ العصمةِ والطهارةِ ذكرُ صفاتِ أهلِ الإيمانِ، وبيانُ علاماتِهم؛ للحثِّ على التحلّي بهذهِ الصفاتِ مِنْ جهة، وجعلِها منَ القِيَمِ الأخلاقيّةِ الّتي يسعى المؤمنُ لامتلاكِها، ولِتكونَ باباً منْ أبوابِ معرفةِ الصالحينَ وأهلِ الإيمانِ، لِمَنْ يبحثُ عنهُم ويسعى للاعتمادِ عليهِم والثقةِ بهِم، ولكلِّ صفةٍ موضعُها ومحلُّها الّذي ينبغي أنْ تكونَ فيهِ.
وفي الروايةِ المذكورةِ عنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) بيانٌ لصفاتٍ ثلاث:
1. العدلُ والإنصافُ: وهيَ قاعدةٌ في التعاملِ معَ الناسِ، بأنْ تُعطيَ الناسَ ما تطلبُ منهُم أنْ يعطوكَ إيّاه. وهذهِ قاعدةٌ تربويّةٌ وأخلاقيّةٌ وردَتْ في الكثيرِ منَ الرواياتِ، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «سَيِّدُ الْأَعْمَالِ ثَلَاثَةٌ: إِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى لَا تَرْضَى بِشِيْءٍ إِلَّا رَضِيتَ لَهُمْ مِثْلَهُ، وَمُوَاسَاتُكَ الْأَخَ فِي الْمَالِ، وَذِكْرُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»[2].
وفي روايةٍ أنَّ أعرابيّاً جاءَ إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله)، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، علّمْني عملاً أدخلُ بهِ الجنّةَ، فقالَ: «مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يَأْتِيَهُ النَّاسُ إِلَيْكَ فَأْتِهِ إِلَيْهِمْ، وَمَا كَرِهْتَ أَنْ يَأْتِيَهُ النَّاسُ إِلَيْكَ فَلَا تَأْتِهِ إِلَيْهِم»[3].
2. الحرصُ على طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ: بابُ الوصولِ إلى نِعَمِ الدنيا ونعيمِ الآخرةِ هيَ الطاعةُ للهِ عزَّ وجلَّ، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «فَأَعْطُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمُ الِاجْتِهَادَ فِي طَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُدْرَكُ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ»[4].
بلْ إنَّ قوّةَ المؤمنِ -بحسبِ الرواياتِ- هيَ في دينِهِ، وقدْ وردَ عنهُم (عليهم السلام): «إِذَا قَوِيتَ فَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وإِذَا ضَعُفْتَ فَاضْعُفْ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ»[5]. وهذهِ القوّةُ تحصلُ بترويضِ النفسِ على ذلكَ، والتوسّلِ باللهِ عزَّ وجلَّ لذلك، ففي دعاءٍ للإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ سَهَّلْتَ لَهُ طَرِيقَ الطَّاعَةِ بِالتَّوْفِيقِ فِي مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ، فَحُيُّوا وَقُرِّبُوا وَأُكْرِمُوا وَزُيِّنُوا بِخِدْمَتِكَ»[6].
3. الاشتغالُ بإصلاحِ نفسِهِ: وعدمُ الاشتغالِ بعيوبِ الناسِ، فعنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «مَنْ مَقَتَ نَفْسَهُ دُونَ مَقْتِ النَّاسِ، آمَنَهُ اللَّهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[7].
فمَنْ كانَ كذلكَ فهوَ منْ أفضلِ الناسِ، كما وردَ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أَفْضَلُ النَّاسِ مَنْ شَغَلَتْهُ مَعَايِبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاس»[8].
بلْ هوَ منْ أعقلِ الناسِ، كما في روايةٍ أخرى عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أَعْقَلُ النَّاسِ مَنْ كَانَ بِعَيْبِهِ بَصِيراً، وَعَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ ضَرِيراً»[9].
بلْ لنْ يجدَ الفرصةَ لينشغلَ بعيوبِ الناسِ، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «لَا تَتَّبِعَنَّ عُيُوبَ النَّاسِ، فَإِنَّ لَكَ عُيُوباً، إِنْ عَقَلْتَ [مَا] يَشْغَلُكَ أَنْ تَعِيبَ أَحَداً»[10].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص282.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص144.
[3] المصدر نفسه، ج2، ص146.
[4] المصدر نفسه، ج8، ص7.
[5] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص135.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج91، ص128.
[7] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص181.
[8] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص198.
[9] المصدر نفسه، ص207.
[10] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص523.