بسم الله الرحمن الرحيم
أبو الحسين زيد الشهيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .ولد سنة 78 كما عن رواية أبي داود,واستشهد يوم الاثنين وفي رواية المقاتل يوم الجمعة لليلتين خلتا من صفر سنة 120 وله 42 سنة كما في الإرشاد.وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 1 ص 315 :وممن تقبل مذاهب الأسلاف في إباء الضيم وكراهية الذل واختار القتل على ذلك وان يموت كريما,أبو الحسين زيد بن علي بن أبي طالب عليه السلام .وهو إمام الزيدية الذين ينسبون إليه لاجتماع شروط الإمامة عندهم فيه, وهو أن يكون من ولد علي وفاطمة عالما شجاعا كريما ويخرج بالسيف.قد اتفق علماء الإسلام على جلالته وثقته وورعه وعلمه وفضله,وقد روي في ذلك أخبار كثيرة, وعن الشهيد في قواعده,في بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انه صرح بان خروجه كان بإذن الإمام عليه السلام .وقال المفيد في الإرشاد:كان زيد بن علي بن الحسين عليه السلام عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم,وكان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا,وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر,ويأخذ بثار الحسين عليه السلام ثم روى بسنده عن أبي الجارود زياد بن المنذر:قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن,وروى هشام بن هشام ابن ميثم قال:سألت خالد بن صفوان احد الرواة عن زيد بن علي وكان يحدثنا عنه فقلت:أين لقيته؟ قال:بالرصافة,رصافة هشام في الكوفة,فقلت:أي رجل كان؟ فقال: كان كما علمت يبكي من خشية الله حتى تختلط دموعه بمخاطه.واعتقد كثير من الشيعة فيه الإمامة,وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف,يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه واله وسلم فظنوه يريد بذلك نفسه,ولم يكن يريدها له لمعرفته باستحقاق أخيه للإمامة من قبله,ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله عليه السلام , وصية أخيه الباقر إلى ولده الصادق عليه السلام .وقال السيد علي خان الشيرازي في أوائل شرحه على الصحيفة الكاملة :في رياض السالكين: هو أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ,أمه أم ولد,كان جم الفضائل عظيم المناقب,وكان يقال له حليف القرآن.روى أبو نصر البخاري عن أبي الجارود قال: قدمت المدينة فجعلت كلما سالت عن زيد بن علي,قيل لي:ذلك حليف القرآن,ذاك اسطوانة المسجد من كثرة صلاته.وأما شجاعته وكرمه فهما أظهر من أن يوصفا,وهو من رؤوس أباة الضيم,فكأنه سلك طريق جده الحسين عليه السلام ,واختار قتلة الكرام.
شمخ بأنفه عن أن يجلس بين يدي عدوه مجلس ذليل,وان يحط من قدره الرفيع الجليل,وما حداه على خوض غمار المنايا,وتقحم أهوال البلايا والرزايا,إلا استطالة أعداء الله وأعداء الرسول عليه,وبغضهم لجده وأبيه,فقام على أن يجلي ظلمة الظلم بنور حسامه,أو يفوز من كاس الشهادة باحتساء حمامه.
ولم يكن في قيامه معتقدا كمعتقد الذين يزعمون أنهم تبعوا آثاره,واستناروا مناره من فرق الزيدية.بل كان عزمه على ما يظهر من حزن الصادق عليه السلام عليه,ومن ترحمه عليه وعلى أصحابه,ومن إعطاء أولاد الذين قتلوا بين يديه من الصدقة,كما ورد في الأخبار,انه إن ظفر بالأمر وأزال أهل الضلال,يرجع الأمر إلى الإمام المعصوم من آل محمد صلى الله عليه واله وسلم .وعن الشيخ البهائي في آخر رسالته المعمولة في إثبات وجود القائم عليه السلام , إلا انه قال:إنا معشر الإمامية, لا نقول في زيد إلا خيرا,وكان جعفر الصادق عليه السلام يقول كثيرا:رحم الله عمي زيدا,وروي عن الرضا عليه السلام انه قال لأصحابه:أن زيدا يتخطى يوم القيامة بأهل المحشر حتى يدخل الجنة,والروايات عن أئمتنا عليه السلام في هذا المعنى كثيرة. . ..
قصة الاستشهاد
ولإلقاء الضوء على قصة استشهاده نقتبس ما أورده المرحوم السيد محسن الأمين فيه من كتابه (المجالس السنية)
كان سبب خروجه مضافاً إلى طلبه بدم الحسين عليه السلام ، أنه دخل على هشام بن عبد الملك وقد جمع هشام أهل الشام وأمر أن يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول إلى قربه.فقال له زيد:إنه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصى بتقوى الله، ولا من عباده أحد دون أن يوصي بتقوى الله وأنا أوصيك بتقوى الله فاتقه.
فقال له هشام:ما فعل أخوك البقرة؟
فقال:سماه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم باقر العلم,وأنت تسميه بقرة.لشد ما اختلفتما في الدنيا ولتختلفان في الآخرة!
فقال له هشام:أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها؟ وما أنت وذاك لا أم لك,وإنما أنت ابن أمة!
فقال له زيد:إني لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه وهوابن أمة,فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث, وهو إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام . فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام؟ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو ابن علي بن أبي طالب عليه السلام .
فوثب هشام من مجلسه,ودعا قهرمانه وقال:لا يبيتنّ هذا في عسكري.
فخرج زيد وهو يقول:إنه لم يكره قوم قط حد السيوف إلا ذلّوا.فحملت كلمته إلى هشام.فعرف أنه يخرج عليه فأرسل معه من يخرجه على طريق الحجاز ولا يدعه يخرج على طريق العراق.فلما رجع عنه الموكلون به بعد أن أوصلوه إلى طريق الحجاز.رجع إلى العراق حتى أتى الكوفة، وأقبلت الشيعة تختلف إليه وهم يبايعونه، حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة,سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان والجزيرة.فحاربه يوسف بن عمرو الثقفي، فلما قامت الحرب انهزم أصحاب زيد وبقي في جماعة يسيرة فقاتلهم أشد القتال وهو يقول متمثلاً:
فإن كان لابد من واحـد فسيري إلى الموت سيراً جميلا |
فذل الحياة وعزّ الممات وكلاً أراه طعامـاً وبيلا |
وحال المساء بين الصفين، وانصرف زيد وهو مثخن بالجراح وقد أصابه سهم في جبهته، وطلبوا من ينزع السهم,فأتي بحجام، فاستكتموه أمره، فأخرج النصل فمات من ساعته، فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش وأجري الماء على ذلك، وحضر الحجام,وقيل عبد سندي مواراته,فعرف الموضع، فلما أصبح مضى إلى يوسف فدلّه على موضع قبره,فاستخرجه يوسف بن عمرو وبعث برأسه إلى هشام,وبعثه هشام إلى المدينة فنصب عند قبر النبي صلى الله عليه واله وسلم يوماً وليلة.(ولمّا) قتل بلغ ذلك من الصادق عليه السلام كل مبلغ,وحزن عليه حزناً عظيماً,وفرق من ماله في عيال من أصيب معه من أصحابه ألف دينار,وكتب هشام إلى يوسف بن عمرو أن اصلبه عرياناً,فصلبه في الكناسة فنسجت العنكبوت على عورته من يومه ومكث أربع سنين مصلوباً، حتى مضى هشام وبويع الوليد بن يزيد، فكتب الوليد إلى يوسف بن عمرو:أما بعد فإذا أتاك كتابي فاعمد إلى عجل أهل العراق فاحرقه ثم انسفه في اليم نسفاً. فأنزله وحرقه ثم ذراه في الهواء".
وبالفعل كانت طريقة قتل زيد فظيعة من الفظائع التي يندى لها جبين الإنسانية خجلاً، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.