من كلامِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) للفرزدق: «يا فَرَزْدَقُ، إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لَزِمُوا طاعَةَ الشَّيْطانِ، وَتَرَكُوا طاعَةَ الرَّحْمانِ، وَأَظْهَروُا الْفَسادَ في الأْرْضِ، وَأَبْطَلُوا الْحُدُودَ، وَشَرِبُوا الْخُمُورَ، وَاسْتَأْثَروُا في أَمْوالِ الْفُقَراءِ وَالْمَساكينَ، وَأَنا أَوْلى مَنْ قامَ بِنُصْرَةِ دينِ اللهِ وَإِعْزازِ شَرْعِهِ وَالْجِهادِ في سَبيلِهِ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا»[1].
إنَّ من خصائصِ الثورةِ الحسينيّةِ مسألةَ التبيينِ فيها، الّذي كانَ يقومُ بهِ الإمامُ (عليه السلام) في كلِّ خطوةٍ من مسيرِهِ، متى أمكنَتِ الفرصةُ، وكانَتِ الظروفُ مؤاتيةً لذلكَ، في خطاباتِهِ العامّةِ أو الخاصّةِ، وذلكَ بملاحظةِ ما يأتي:
1. لا ينحصرُ خطابُ الثورةِ الحسينيّةِ في مسيرِهِ من مكّةَ إلى كربلاءَ، بلْ في مكّةَ وعرفاتٍ ومنى، حتّى قبلَ موتِ معاويةَ كانَ (عليه السلام) يعتمدُ أسلوبَ التبيينِ، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «ينبغي ألّا نعرفَ الإمامَ الحسينَ (عليه السلام) عبرَ معركةِ يومِ عاشوراءَ فقط، فذلكَ جانبٌ من جهادِهِ؛ تنبغي معرفتُهُ بِتَبييناتِهِ وأمرِهِ بالمعروفِ ونهيِهِ عنِ المنكرِ وإيضاحِهِ القضايا والأمورَ في منى وعرفات»[2].
2. في وصيّتِهِ الّتي كتبَها لأخيهِ محمّدِ بنِ الحنفيّة: «وَأَنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً، وَلَا بَطِراً، وَلَا مُفْسِداً، وَلَا ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي (صلّى الله عليه وآله)، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ الْحَقِّ، فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هَذَا، أَصْبِرُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ الْقَوْمِ بِالْحَقِّ، ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾[3]»[4].
3.كتابةُ الرسائلِ والكتبِ إلى الشخصيّاتِ المعروفةِ في المدنِ الأخرى، ففي كتابِهِ معَ مسلمِ بنِ عقيل: «مِنَ حُسَيْنِ بْنِ عَليّ، إِلىَ الْمَلأ مِنَ الْمُؤْمنينَ وَالْمُسْلِمينَ... فَلَعَمْري، مَا الإْمامُ إِلاَّ الْعامِلُ بِالْكِتابِ، وَالآْخِذُ بِالْقِسْطِ، وَالدّائِنُ بِالْحَقِّ، وَالْحابِسُ نَفْسَهُ عَلى ذاتِ اللهِ، وَالسَّلامُ»[5].
4. في ميدانِ المعركةِ وساحةِ القتالِ، قالَ (عليه السلام): «أَلَا إِنَ الدَّعِيَ ابْنَ الدَّعِيَ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ، بَيْنَ القِلَّةِ[6] [السَّلَّةِ] وَالذِّلَّةِ، وَهَيْهَاتَ مَا آخُذُ الدَّنِيَّةَ، أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَرَسُولُهُ، وَجُدُودٌ طَابَتْ، وَحُجُورٌ طَهُرَتْ، وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ، لَا تُؤْثِرُ مَصَارِعَ اللِّئَامِ عَلَى مَصَارِعِ الْكِرَامِ، أَلَا قَدْ أَعْذَرْتُ وَأَنْذَرْتُ، أَلَا إِنِّي زَاحِفٌ بِهَذِهِ الْأُسْرَةِ عَلَى قِلَّةِ الْعَتَادِ، وَخُذَلَةِ الْأَصْحَابِ»[7].
على المرءِ أنْ يسعى عبرَ مجالسِ العزاءِ إلى إيلاءِ اهتمامٍ خاصٍّ بالمسؤوليّةِ المُهمّةِ والأساسيّةِ، المتمثّلةِ في تنويرِ الناسِ وتوعيتِهِم ومواجهةِ أكاذيبِ العدوِّ وتحريفاتِهِ، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «هكذا ينبغي أنْ يكونَ التوجّهُ في عزاءِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام): توسيعُ نطاقِ التبيينِ والإيضاحِ والتوعيةِ، وتمتينُ إيمانِ الناسِ، وتكريسُ روحِ التديّنِ عندَهُم، وتعزيزُ روحِ الشجاعةِ والغيرةِ الدينيّةِ لديهِم، وإخراجُهُم منَ حالاتِ اللامبالاةِ والخمولِ والكسلِ... هذهِ معاني الثورةِ الحسينيّةِ وإحياءِ عزاءِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) في زمانِنا»[8].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (عليه السلام)، موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام)، ص408.
[2] من كلامٍ له (دام ظلّه) بتاريخ 27/07/2009م.
[3] سورة الأعراف، الآية 87.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص329 - 330.
[5] محمّد بن جرير الطبريّ، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبريّ)، ج4، ص262.
[6] القلّة: قلّة العدد بالقتل. وفي بعض النسخ: السلّة.
[7] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص9.
[8] من كلام له (دام ظلّه) بتاريخ 09/01/2008م.