عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «تَنَافَسُوا فِي اَلْمَعْرُوفِ لِإِخْوَانِكُمْ، وَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ، فَإِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ اَلْمَعْرُوفُ، لاَ يَدْخُلُهُ إِلَّا مَنِ اِصْطَنَعَ اَلْمَعْرُوفَ فِي اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا، فَإِنَّ اَلْعَبْدَ لَيَمْشِي فِي حَاجَةِ أَخِيهِ اَلْمُؤْمِنِ، فَيُوَكِّلُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مَلَكَيْنِ، وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، يَسْتَغْفِرَانِ لَهُ رَبَّهُ، وَيَدْعُوَانِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ»، ثُمَّ قَالَ: «وَاَللَّهِ، لَرَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَسَرُّ بِقَضَاءِ حَاجَةِ اَلْمُؤْمِنِ إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ مِنْ صَاحِبِ اَلْحَاجَة»[1].
منَ النِعَمِ الإلهيّةِ الكبرى أنْ يُوفَّق الإنسانُ للقيامِ بخدمةٍ أو معروفٍ تجاهَ إخوانِهِ، وسرُّ هذا التوفيقِ أنَّهُ السببُ في حصولِهِ على هذا العطاءِ الإلهيِّ الأخرويِّ. وعليه، ليسَ منَ الصوابِ أنْ يُفوِّتَ الإنسانُ مثلَ هذهِ الفرصةِ.
ويبيّنُ الإمامُ الصادقُ (عليه السلام) ثمرةَ ذلكَ بقولِهِ: «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَتَاهُ أَخُوهُ فِي حَاجَةٍ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ رَحْمَةٌ سَاقَهَا اَللَّهُ إِلَيْهِ، وَسَبَّبَهَا لَهُ؛ فَإِنْ قَضَى حَاجَةً كَانَ قَدْ قَبِلَ اَلرَّحْمَةَ لِقَبُولِهَا، وَإِنْ رَدَّهُ عَنْ حَاجَتِهِ -وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا- فَإِنَّمَا رَدَّ عَنْ نَفْسِهِ اَلرَّحْمَةَ اَلَّتِي سَاقَهَا اَللَّهُ إِلَيْهِ، وَسَبَّبَهَا لَهُ، وَذُخِرَتِ اَلرَّحْمَةُ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، فَيَكُونُ اَلْمَرْدُودُ عَنْ حَاجَتِهِ هُوَ اَلْحَاكِمُ فِيهَا؛ إِنْ شَاءَ صَرَفَهَا إِلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ إِلَى غَيْرِهِ»[2].
وخدمةُ عبادِ اللهِ عزَّ وجلَّ، هيَ بالحساباتِ الإلهيّةِ خدمةٌ للهِ تعالى، ففي ما جاءَ عنْ مولانا الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) قولُهُ: «مَنْ قَضَى لأَخِيهِ المُسْلِمِ حَاجَةً، كَانَ كمَنْ خَدَمَ اللهَ تَعَالَى عُمْرَهُ»[3].
يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قُدِّسَ سرُّه): «لِيُهيِّئِ الأحبّةُ الأعزّاءُ أنفسَهُم لخدمةِ الإسلامِ والشعبِ المحرومِ، وليشدّوا الأحزمةَ لخدمةِ العبادِ التي تعني خدمةَ اللهِ»، ويقولُ أيضاً: «لا أظنُّ أنَّ هناكَ عبادةً أفضلَ منْ خدمةِ المحرومينَ».
وفي رواياتِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، وردَ بيانُ الكثيرِ منَ العطاءِ الإلهيِّ لمَنْ يقومُ بخدمةِ عبادِ اللهِ، فلهُ الأمنُ يومَ القيامةِ، إذْ رُويَ عنْ مولانا الإمامِ الكاظمِ (عليه السلام) أنَّهُ قالَ: «إِنَّ لِلَّه عِبَاداً فِي الأَرْضِ يَسْعَوْنَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ، هُمُ الآمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[4]، وكانَ اللهُ في حاجتِهِ، فعنِ الإمامِ الصَّادقِ (عليه السلام) أنَّهُ قالَ: «مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ المُؤْمِنِ المُسْلِمِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، مَا كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ»[5]، بلْ تُهَوَّنُ عليهِ سكراتُ الموتِ، ففي الحديثِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَنْ كَسَا أَخَاهُ كِسْوَةَ شِتَاءٍ أَوْ صَيْفٍ، كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يَكْسُوَهُ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، وَأَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، وَأَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ، وَأَنْ يَلْقَى الْمَلَائِكَةَ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ بِالْبُشْرَى»[6].
وفي الشدائدِ، عندما يقعُ مجتمعُ المسلمينَ في ضائقةٍ، تظهرُ المعادنُ الطيّبةُ؛ لتؤدّيَ دورَها في المساندةِ والعونِ وبذلِ ما تملكُ بنيّةٍ خالصةٍ لوجهِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص195.
[2] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص248.
[3] العلّامة الحلّيّ، الرسالة السعديّة، ص162.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص197.
[5] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص97.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص204.