عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «اِحْذَرْ أَنْ يَرَاكَ اللَّهُ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ، وَيَفْقِدَكَ عِنْدَ طَاعَتِهِ، فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، وَإِذَا قَوِيتَ فَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَإِذَا ضَعُفْتَ فَاضْعُفْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ»[1].
صاحبُ التَّقوى يعيشُ الحذرَ دائماً، فيبتعدُ عنِ المعاصي، ويواظبُ على الطاعاتِ. وفي هذهِ الحكمةِ النورانيّةِ للإمامِ (عليه السلام) توجيهٌ للإنسانِ، يجعلُهُ في مأمنٍ منَ التردّي في المعاصي أوِ التفريطِ بالطاعاتِ؛ وذلكَ أنَّ الإنسانَ إذا عاشَ الخوفَ والحذرَ منْ أنْ يراهُ اللهُ على معصيةٍ، وممَّا يمكنُ أنْ يترتّبَ عليها منْ ضررٍ، أوْ عاشَ الخوفَ في أنْ تأتيَ ساعةُ الطاعةِ، ولا يكونَ حيثُ يحبُّهُ اللهُ عزَّ وجلَّ فيها، كما في ساعةِ الصلاةِ، أمِنَ منَ الخطرَيْنِ؛ إذْ إنَّ في كلاهما خسارةً لهذا الإنسانِ.
واللهُ عزَّ وجلَّ وَهبكَ نِعماً كثيرةً، ومنها هذهِ النفسُ التي بها قِوامُكَ، وأمرَكَ بأنْ تجعلَها في طاعتِهِ عزَّ وجلَّ، ففي الروايةِ عنْ عليِّ بنِ الحسينِ (عليهما السلام): «وَحَقُّ نَفْسِكَ عَلَيْكَ أَنْ تَسْتَعْمِلَهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ»[2].
وصونُ النفسِ وإعزازُها والحفاظُ عليها يكونُ بمواظبتِها على طاعةِ اللهِ دائماً، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِذَا أَخَذْتَ نَفْسَكَ بِطَاعَةِ اللَّهِ أَكْرَمْتَهَا، وَإِنْ بَذَلْتَهَا فِي مَعَاصِي اللَّهِ ابْتَذَلْتَهَا»[3].
وأهمُّ عونٍ على ذلكَ هوَ استحضارُ عواقبِ الآثامِ والمعاصي على الدوامِ، وأنَّ لذةً صغيرةً قدْ تُورِثُ حسرةً عظيمةً، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «اُذْكُرُوا عِنْدَ الْمَعَاصِي ذَهَابَ اللَّذَّاتِ وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ»[4].
ويبيّنُ الإمامُ (عليه السلام) أيضاً المعاييرَ الصحيحةَ للاستفادةِ منْ عطاءِ اللهِ للإنسانِ عندما يمتلكُ القوّةَ، فإذا وجدَ في نفسِهِ القوّةَ والهمّةَ والنشاطَ، فليصرفْ ذلكَ في طاعةِ اللهِ.
وإذا أرادَ أنْ يتحدّثَ عنْ شيءٍ، ورأى نفسَهُ ضعيفةً عنهُ، لا تقدرُ على تحمّلِهِ، فعليهِ أنْ يَضْعُفَ عَنْ معصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فمَنْ أيقنَ بعاقبةِ المعصيةِ، علمَ أنَّهُ لا طاقةَ لهُ بتحمّلِها، وفي الدعاءِ نقرأُ: «يَا رَبِّ، إِنِّي ضَعِيفٌ عَلَى النَّارِ، فَلا تُعَذِّبْنِي بِالنَّارِ»[5].
وأيضاً، فليفكّرِ الإنسانُ في بلاءاتِ هذهِ الدنيا، وكيفَ أنَّهُ لا يستطيعُ تحمّلَ مرضٍ يُصيبُهُ فيها، ومنْ أسبابِ هذهِ البلاءاتِ والأمراضِ الذنوبُ والآثامُ، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِرْقٍ يَضْرِبُ، وَلا نَكْبَةٍ، وَلا صُدَاعٍ، وَلا مَرَضٍ إِلَّا بِذَنْبٍ؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾[6]، ثُمَّ قَالَ: وَمَا يَعْفُو اللَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا يَأْخُذُ بِهِ»[7].
وممّا يزيدُ الأمرَ خطورةً، أنَّ بعضَ هذهِ الذنوبِ لا تُؤخَّرُ عقوبتُها إلى الآخرةِ، بلْ تُعجَّلُ في الدنيا، فلا يُمهَلُ الإنسانُ فيها لِيتداركَ، فعنْ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله): «ثَلاثَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ تُعَجَّلُ عُقُوبَتُهَا وَلا تُؤَخَّرُ إِلَى الآخِرَةِ: عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالْبَغْيُ عَلَى النَّاسِ، وَكُفْرُ الْإِحْسَانِ»[8].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص544، الحكمة 383.
[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص619.
[3] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص287.
[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص89.
[5] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج2، ص600.
[6] سورة الشورى، الآية 30.
[7] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص357.
[8] الشيخ المفيد، الأمالي، ص237.