عنِ الإمامِ الرضا (عليهِ السلامُ) أنَّهُ قالَ: «لَا قَوْلَ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا نِيَّةَ إِلَّا بِإِصَابَةِ ٱلسُّنَّةِ»[1].
يسعى الإنسانُ في هذهِ الدُّنيا للوصولِ إلى مقامِ القُربِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولهذا القُربِ أبوابٌ، رأسمالُها العَملُ بما يكونُ فيهِ رضا اللهِ عزَّ وجلَّ. والإنسانُ، بِقناعتِهِ، قد يتحدّثُ صادقاً في أمرٍ منَ الأمورِ، ولكنَّ ذلكَ لا يكفي، ما لم يُتَمِّمْهُ بخُطواتٍ تتمثّلُ بالنيّةِ والموافقةِ لما يُريدُهُ اللهُ عزَّ وجلَّ ورسولُهُ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ).
أمّا أهمّيّةُ العملِ، فقد وردَ في رواياتٍ كثيرةٍ بيانُ ذلكَ؛ فهوَ الموجِبُ لمقامِ الشرفِ والرِّفعةِ والمنزلةِ عندَ اللهِ تعالى، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلامُ): «ٱلشَّرَفُ عِندَ ٱللَّهِ بِحُسْنِ ٱلْأَعْمَالِ، لَا بِحُسْنِ ٱلْأَقْوَالِ»[2].
وفي حديثِ الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلامُ) بيانٌ واضحٌ لكونِ العملِ هوَ المِعيارُ في الموازينِ الأُخرويّةِ، إذ يكونُ القياسَ الصحيحَ الموجبَ للفوزِ، ففي المرويِّ عنهُ: «دَعَا ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلدُّنْيَا بِآبَائِهِمْ لِيَتَعَارَفُوا، وَفِي ٱلْآخِرَةِ بِأَعْمَالِهِمْ لِيُجَازُوا، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا، يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا»[3].
والحرصُ على العملِ الصالحِ رفيقٌ للمؤمنِ في هذهِ الدنيا، يحافظُ عليهِ حتّى الموتِ، ففي الحديثِ عنِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السلامُ): «ٱلْمُدَاوَمَةَ ٱلْمُدَاوَمَةَ، فَإِنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِعَمَلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَايَةً إِلَّا ٱلْمَوْتَ»[4].
ثمَّ ينتقلُ الدَّورُ إلى العملِ الصالحِ، فيُصبِحُ رفيقاً للإنسانِ إلى الجَنّةِ، ففي الحديثِ عن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ): «وَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَكَ -يَا قَيْسُ- مِنْ قَرِينٍ يُدْفَنُ مَعَكَ وَهُوَ حَيٌّ، وَتُدْفَنُ مَعَهُ وَأَنْتَ مَيِّتٌ، فَإِنْ كَانَ كَرِيماً أَكْرَمَكَ، وَإِنْ كَانَ لَئِيماً أَسْلَمَكَ، ثُمَّ لَا يُحْشَرُ إِلَّا مَعَكَ، وَلَا تُحْشَرُ إِلَّا مَعَهُ، وَلَا تُسْأَلُ إِلَّا عَنْهُ؛ وَلَا تَجْعَلْهُ إِلَّا صَالِحاً، فَإِنَّهُ إِنْ صَلَحَ أَنِسْتَ بِهِ، وَإِنْ فَسَدَ لَا تَسْتَوْحِشُ إِلَّا مِنْهُ، وَهُوَ فِعْلُكَ»[5].
وإنَّ قِوامَ العملِ خُلوصُ النيّةِ للهِ عزَّ وجلَّ، قالَ الإمامُ الصادقُ (عليهِ السلامُ): «وَٱلْعَمَلُ ٱلْخَالِصُ ٱلَّذِي لَا تُرِيدُ أَنْ يَحْمَدَكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا ٱللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَٱلنِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ ٱلْعَمَلِ، أَلَا وَإِنَّ ٱلنِّيَّةَ هِيَ ٱلْعَمَلُ»[6].
والنيّةُ هيَ الميزانُ الّذي على أساسِهِ تكونُ قيمةُ العاملِ، ففي المرويِّ عنِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السلامُ): «قَدْرُ ٱلرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ، وَعَمَلُهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ»[7]؛ كما أنَّ الجزاءَ الإلهيَّ يكونُ النَّظرُ فيهِ إلى النيّةِ، فالتوفيقُ على قدرِ النيّةِ، كما رُويَ عنِ الإمامِ عليٍّ (عليهِ السلامُ): «عَلَى قَدْرِ ٱلنِّيَّةِ تَكُونُ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَطِيَّةُ»[8].
والركنُ الأساسُ في العملِ حتّى يكونَ موجباً للقُربِ، هوَ أن يكونَ موافقاً لما يُريدُهُ اللهُ عزَّ وجلَّ ورسولُهُ، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلامُ)، في قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[9]، قالَ: «لَيْسَ يَعْنِي أَكْثَرَ عَمَلاً، وَلَكِنْ أَصْوَبَكُمْ عَمَلاً؛ وَإِنَّمَا ٱلْإِصَابَةُ خَشْيَةُ ٱللَّهِ، وَٱلنِّيَّةُ ٱلصَّادِقَةُ، والْحَسَنَةُ»[10].
نُباركُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فرَجَهُ)، ولِوليِّ أمرِ المسلمينَ، وللمجاهدينَ جميعاً، ذِكرى الوِلادةِ العطرةِ لثامنِ الحُجَجِ، الإمامِ عليِّ بنِ موسى الرضا (صلواتُ اللهِ عليهِ وعلى آبائِهِ).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، ج4، ص186.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص57.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص208.
[4] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج1، ص130.
[5] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص3.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص16.
[7] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص371.
[8] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص452.
[9] سورة هود، الآية 7.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص16.