بسم الله الرحمن الرحيم
شهادة الصحابي عمار بن ياسر رضوان الله عليه في معركة صفين في التاسع من صفر سنة 37هـ
كان عمار بن ياسر رضوان الله عليه من السابقين الأولين هاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة وصلى إلى القبلتين وشهد بدراً واليمامة وأبلى فيهما بلاءاً حسناً وكان هو وأمه ممن عذّبوا في الله فأعطاهم ما أرادوا بلسانه، فنزل فيه: ﴿إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بِالإِيمَانِ﴾1.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما رواه ابن حجر في الإصابة: "من عادى عماراً عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله"2.
قال: وتواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "إنّ عماراً تقتله الفئة الباغية" وأجمعوا على أنه قتل مع علي عليه السلام بصفين.
وفي (الاستيعاب): هذا من إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بالغيب وإعلام نبوته وهو من أصحّ الأحاديث.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن عماراً ملىء إيماناً إلى مشاشه"3.
ويروى: "إلى أخمص قدميه".
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "عمار جلدة ما بين عيني"4.
ورآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بناء المسجد يحمل لبنتين لبنتين وغيره لبنة لبنة، فجعل ينفضّ التراب عنه ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: "ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار".
وقيل لحذيفة حين احتضر وقد ذكر الفتنة إذا اختلف الناس بمن تأمرنا؟ قال: عليكم بابن سمية (يعني عماراً) فإنه لن يفارق الحق حتى يموت.
وروى نصر بن مزاحم أنه لما كانت وقعة صفين، ونظر عمار إلى راية عمرو بن العاص قال: "والله هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهنّ".
ولما كان يوم صفين خرج عمار إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: "يا أخا رسول الله أتأذن لي في القتال. فقال عليه السلام: "مهلاً رحمك الله". فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله فأعاده ثالثاً فبكى أمير المؤمنين عليه السلام فنظر إليه عمار فقال: "يا أمير المؤمنين إنه اليوم الذي وصفه لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام عن بغلته وعانق عماراً وودعه، ثم قال: "يا أبا اليقظان جزاك الله عنا وعن نبيك خيراً فنعم الأخ كنت ونعم الصاحب كنت" ثم بكى أمير المؤمنين عليه السلام وبكى عمار.
ثم ركب أمير المؤمنين عليه السلام وركب عمار.
وبرز عمار إلى القتال وكان قد جاوز التسعين، وأنشأ يقول:
نحن ضربناكم على تنزيله | فاليوم نضربكم على تأويله |
ضرباً يزيل الهام عن مقيله | ويُذهل الخليل عن خليله |
أو يرجع الحق إلى سبيله5 |
ثم قال: والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحق وإنهم على الباطل. ثم قال:
الجنة تحت ظلال الأسنة | اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه |
واشتدّ به العطش فاستقى فأتي إليه بلبن فشربه، ثم قال: "هكذا عهد إليّ رسول الله(ص) أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن".
وحمل عليه ابن جون السكسكي، وأبو العادية الفزاري، فأما أبو العادية فطعنه وأما ابن جون فاحتزّ رأسه.
وروى ابن سعد بسنده قال: لما بلغ علياً عليه السلام نعي عمار قال: "إن امرءاً من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار، ولم يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة لغير رشيد! رحم الله عماراً يوم أسلم، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً، فوالله لقد رأيت عماراً وما يُذكر من أصحاب النبيّ ثلاثة إلا كان رابعاً، ولا أربعة إلا كان خامساً!"6.
إنّ عمّاراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا موطنين ولا ثلاث! فهنيئاً له الجنّة، فقد قُتل مع الحقّ والحقّ معه، يدور الحقَّ معه حيثما دار، فقاتل عمّار وسالبه في النار7.
ثم تقدم علي عليه السلام فجمع عمّار بن ياسر إلى هاشم المرقال أمامه ثم صلى عليه فكبّر خمساً أو ستاً أو سبعاً8، ورثاه الحجّاج بن عمرو الأنصاري بأبيات مشجية.
وقال المسعودي في (مروج الذّهب): وكان قَتْلهُ عند المساء، ولم يغسله علي عليه السلام وصلى عليه ودفنه في صفّين9.
ويُنسب إلى عمّار رضوان الله عليه من الشعر قوله:
تَوَقَّ من الطُّرْق أوساطها | وعُدَّ من الجانب المشتَبِه |
وسمْعَك صُن عن سماع القبيح | كصون اللسان عن النُطق به |
فإنّك عند سماع القبيح | شريك لقائله، فانتبه10 |
فسلام الله على عمّار وأبويه الشهيدين ياسر وسُميّة، يوم ولدوا، ويوم استشهدوا، ويوم يبعثون أحياء، بل هم اليوم أحياء عند ربّهم يرزقون ﴿وَلَكِن لاّ تَشْعُرُونَ﴾.
مقام عمار بن ياسر في الرقة:
أما اليوم فقد تحوّل مكان استشهاد عمار رضوان الله عليه إلى مزار يؤمّه المحبّون والموالون، وذلك في مدينة الرقة السورية في منطقة صفين التي شهدت أحداث تلك الوقعة الشهيرة، وقد حاز هذا المقام اهتماماً بالغاً من قبل الجمهورية الإسلامية حيث تمّ بناؤه وتشييده على أحسن ما يكون.
1- النحل:- 106.
2- بحار الأنوار 31: 196، وقعة صفين: 341.
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق.
5- وقعة صفين: 341.
6- الطبقات الكبرى 2: 363.
7- عن الفتوح لابن الأعثم الكوفي 3: 368.
8- الطبقات الكبرى 3: 363 عن الأشعث بن قيس، والشك في التكبيرات منه، وأنظر أنساب الأشراف 3: 318.
9- مروج الذهب 2: 381 ط بيروت، بتحقيق أسعد داغر.
10- الدرجات الرفيعة في طبقات أعلام الشيعة، للسيد المدني الشيرازي: 283، ط بغداد.