عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلامُ) في وصيَّتِهِ لِعُمَّالِهِ: «فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ؛ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلَاءُ الْأُمَّةِ، وَسُفَرَاءُ الْأَئِمَّةِ، وَلَا تُحْشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ، وَلَا تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ»[1].
يتضمَّنُ هذا النَّصُّ تعليماً إداريّاً وتربويّاً مُهِمّاً للعاملينَ الَّذينَ يتولَّوْنَ شؤونَ النَّاسِ وأُمورَهُمْ، يُشيرُ فيهِ إلى مجموعةٍ من خمسةِ توجيهاتٍ، لا بُدَّ من أن تكونَ سلوكاً دائماً لهُم، يُوجبُ التوفيقَ في أداءِ الأَعمالِ الَّتي هيَ أمانةٌ في أَعناقِهِم، وهيَ:
1. الإنصاف: وذلكَ بأداءِ حقوقِ النَّاسِ إليهِم، وعدمِ إلحاقِ الظُّلمِ بهِم، وهوَ أخطرُ ما قد يقعُ فيهِ المتولِّي لأُمورِ النَّاسِ؛ ولذا وردَ عنهُ (عليهِ السلامُ) التَّحذيرُ منَ الانجرارِ وراءَ الرَّغباتِ في هذا المجالِ، ففي عهدِهِ لمالكِ الأشترِ، قالَ: «أَنْصِفِ اللَّهَ، وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ»[2]، وقد وردَ في كثيرٍ منَ الرِّواياتِ أنَّ على بعضِ النِّعمِ زكاةً، وفي خصوصِ السُّلطةِ والمنصبِ، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلامُ): «زَكَاةُ الْقُدْرَةِ الْإِنْصَافُ»[3].
2. الصبرُ على قضاءِ حوائجِ النَّاس: وذلكَ لأنَّ المتولِّي لشؤونِ النَّاسِ يملكُ القدرةَ على ذلك، فَلْيطمعْ بما رغَّبَ اللهُ بهِ منَ الثَّوابِ على قضاءِ حوائجِ المؤمنينَ، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلامُ): «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَمْشِي فِي حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ، فَيُوَكِّلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مَلَكَيْنِ: وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ، وَآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، يَسْتَغْفِرَانِ لَهُ رَبَّهُ، يَدْعُوَانِ لَهُ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ»[4].
ولأنَّ صاحبَ المنصبِ سيواجهُ إلحاحاً وإصراراً منَ النَّاسِ، فإنَّ عليهِ أن يتحلَّى بالصَّبرِ، وذلكَ بمراعاةِ ثلاثِ أمورٍ أشارَ إليها الإمامُ (عليهِ السلامُ)، وهيَ ترتبطُ بنظرةِ النَّاسِ إليه؛ فإنَّه بنظرِ النَّاسِ أمينٌ على أموالِهِم، فلا يصحُّ أن يتصرَّفَ بما يُوجِبُ الشكَّ فيه. وهوَ وكيلٌ عنهُم يتولّى أمورَهم بتوكيلٍ مُهِمّ، فعليهِ مراعاةُ تلكَ الوكالةِ بما يُحقِّقُ مصلحةَ الموكِّل، أي الأُمَّة. وهوَ سفيرٌ عنِ الأئمَّةِ (عليهمُ السلامُ) إلى النَّاسِ، فالإساءةُ والتَّقصيرُ تُلحِقُ الضَّررَ بالقائدِ الأعلى، وصاحبِ الشأنِ الإلهيّ.
3. إفساحُ المجالِ لطلبِ الحاجة: وهوَ من أخطرِ ما قد يقعُ فيهِ العاملونَ، أنْ يُحجِمَ النَّاسُ عن طلبِ حوائجِهم بسببِ طريقةِ تعامُلِ المسؤولينَ معَهُم، فيخافوا الإساءةَ أو سوءَ التصرّفِ، وفي الحديثِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلامُ): «شَرُّ النَّاسِ مَنْ يَتَّقِيهِ النَّاسُ مَخَافَةَ شَرِّهِ»[5]، فالمطلوبُ هوَ توفيرُ الرَّاحةِ النَّفسيَّةِ، ليفتحَ الطَّالبُ قلبَهُ من دونِ تردُّدٍ أو خَوف.
4. الاستماعُ لمطالبِ النَّاسِ وشكواهم: وممّا لا ينبغي الاستهانةُ به، أنْ يفقدَ المسؤولُ القُدرةَ على الاستماعِ لمطالبِ النَّاسِ وشكاواهم. فمَن جاءَ ليبُثَّ لكَ هَمَّهُ، فعليكَ أنْ تُصغيَ إليه، ففي ذلكَ تنفيسٌ لكُربتِه، وقد وردَ في الحديثِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلامُ)، عن أبيه، قال: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه): أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: اتِّبَاعُ سُرُورِ الْمُسْلِمِ... وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا اتِّبَاعُ سُرُورِ الْمُسْلِمِ؟ قَالَ: شُبْعَةُ جُوعِهِ، وَتَنْفِيسُ كُرْبَتِهِ، وَقَضَاءُ دَيْنِهِ»[6].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص425، الكتاب 51.
[2] المصدر نفسه، ص428، الكتاب 53.
[3] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص275.
[4] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج16، ص359.
[5] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص295.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج71، ص283.