عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «اِسْتَحْيُوا مِنَ اَللَّهِ حَقَّ اَلْحَيَاءِ»، قالوا: وما نفعلُ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: «إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ فَلاَ يَبِيتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَأَجَلُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلْيَحْفَظِ اَلرَّأْسَ وَمَا حَوَى، وَاَلْبَطْنَ وَمَا وَعَى، وَلْيَذْكُرِ اَلْقَبْرَ وَاَلْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ اَلْآخِرَةَ فَلْيَتْرُكْ زِينَةَ اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا»[1].
من شرائفِ الصفاتِ النفسيّةِ التي ذكرَها علماءُ الأخلاقِ صفةُ الحياءِ، وهيَ صفةٌ تحولُ بينَ الإنسانِ وبينَ فعلِ ما يستحقُّ عليهِ الذمَّ شرعاً أو عرفاً. ولذا، لا يختصُّ الحياءُ بالمعاصي، بل يكونُ الحياءُ من كلِّ قبيحٍ بحسبِ العرفِ أيضاً. وقد وردَ التأكيدُ في الرواياتِ على أهمّيّةِ هذهِ الصفةِ، بل قُرِنَتْ هذهِ الصفةُ بالإيمانِ، ففي الحديثِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ مَقْرُونَانِ فِي قَرْنٍ، فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا تَبِعَهُ صَاحِبُهُ»[2].
ويرتبطُ الحياءُ بمدى شعورِ الإنسانِ بالقربِ منَ اللهِ عزَّ وجلَّ، ففي الحديثِ عنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «خَفِ اللَّهَ تَعَالَى لِقُدْرَتِهِ عَلَيْكَ، وَاسْتَحْيِ مِنْهُ لِقُرْبِهِ مِنْكَ»[3].
وكذلكَ يَقوى الحياءُ عندَ الإنسانِ متى كانَ موقِناً بقولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ﴾[4]، ووردَ عنِ الإمامِ الكاظمِ (عليه السلام): «فَاسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ فِي سَرَائِرِكُمْ، كَمَا تَسْتَحْيُونَ مِنَ النَّاسِ فِي عَلَانِيَتِكُمْ»[5].
وكذلكَ يزدادُ الحياءُ متى لم يغفلْ عن وجودِ ملكَينِ منَ الكَتَبَة، فعن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «لِيَسْتَحِ أَحَدُكُمْ مِنْ مَلَكَيْهِ اللَّذَيْنِ مَعَهُ، كَمَا يَسْتَحِي مِنْ رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ مِنْ جِيرَانِهِ، وَهُمَا مَعَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»[6].
ويُحدّدُ النبيُّ الأكرمُ (صلّى الله عليه وآله) حقَّ الحياءِ بأمورٍ أربعة:
1. تذكّرُ الموتِ: فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «فَأَكْثِرُوا ذِكْرَ الْمَوْتِ عِنْدَ مَا تُنَازِعُكُمْ إِلَيْهِ أَنْفُسُكُمْ مِنَ الشَّهَوَاتِ، فَإِنَّهُ كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظاً»[7].
2. الامتناعُ عنِ المعاصي: وذلكَ لأنَّ المعاصيَ تبدأُ بتصوّرِها والطمعِ فيها، ولذا كانَ البصرُ والسمعُ من أدواتِها؛ فمَن حفظَ بصرَهُ وسمعَهُ أَمِنَ منَ المعاصي. واللسانُ أيضاً مفتاحُ الشرورِ، ومَن حفظَ لسانَهُ صانَ آخرتَهُ، وكلُّ هذا موجودٌ في رأسِ الإنسانِ.
3. حفظُ البطنِ: بالتنزّهِ عنِ المحرّماتِ، وعن طعامِ الشبهاتِ، وأن لا يأكلَ الطعامَ إلّا من كسبٍ حلالٍ، ففي حقِّ البطنِ الواردِ عنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «وَأَمَّا حَقُّ بَطْنِكَ، فَأَنْ لَا تَجْعَلَهُ وِعَاءً لِقَلِيلٍ مِنَ الْحَرَامِ وَلَا لِكَثِيرٍ، وَأَنْ تَقْتَصِدَ لَهُ فِي الْحَلَالِ، وَلَا تُخْرِجَهُ مِنْ حَدِّ التَّقْوِيَةِ إِلَى حَدِّ التَّهْوِينِ وَذَهَابِ الْمُرُوَّةِ، وَضَبْطُهُ إِذَا هَمَّ بِالْجُوعِ وَالظَّمَإِ، فَإِنَّ الشِّبَعَ الْمُنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ إِلَى التُّخَمِ مَكْسَلَةٌ وَمَثْبَطَةٌ وَمَقْطَعَةٌ عَنْ كُلِّ بِرٍّ وَكَرَمٍ، وَإِنَّ الرَّيَّ الْمُنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ إِلَى السُّكْرِ مَسْخَفَةٌ وَ مَجْهَلَةٌ وَمَذْهَبَةٌ لِلْمُرُوَّة»[8].
4. ذكرُ القبِر: وردَ عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) أنَّهُ كانَ كثيراً ما يُوصي أصحابَهُ بذكرِ الموتِ، فيقولُ: «إِنَّ اَلْقَبْرَ يَقُولُ كُلَّ يَوْمٍ: أَنَا بَيْتُ اَلْغُرْبَةِ، أَنَا بَيْتُ اَلتُّرَابِ، أَنَا بَيْتُ اَلْوَحْشَةِ، أَنَا بَيْتُ اَلدُّودِ وَ اَلْهَوَامِّ... »[9].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الطبرسيّ، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، ص234.
[2] المصدر نفسه، ص233.
[3] الشيخ الديلميّ، أعلام الدين في صفات المؤمنين، ص299.
[4] سورة العلق، الآية 14.
[5] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص394.
[6] المتقيّ الهنديّ، كنز العمّال، ج3، ص118.
[7] الثقفيّ، الغارات، ج1، ص150.
[8] ابن شعبة الحرانيّ، تحف العقول، ص258.
[9] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص28.