عن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يصفُ ابنتَهُ فاطمةَ (عليها السلام): «وأمّا ابنتي فاطمةُ، فإنَّها سيّدةُ نساءِ العالمينَ منَ الأوّلينَ والآخِرينَ، وهيَ بضعةٌ منّي، وهيَ نورُ عيني، وهيَ ثمرةُ فؤادي، وهيَ روحي التي بينَ جنبيَّ، وهيَ الحوراءُ الإنسيّةُ، متى قامَتْ في محرابِها بينَ يدَي ربِّها جلَّ جلالُهُ، زهرَ نورُها لملائكةِ السماءِ كما يزهرُ نورُ الكواكبِ لأهلِ الأرضِ، ويقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ لملائكتِهِ: يا ملائكتي، انظروا إلى أَمَتي فاطمةَ سيّدةَ إمائي، قائمةً بينَ يديَّ، ترتعدُ فرائصُها من خيفتي، وقد أقبلَتْ بقلبِها على عبادتي، أُشهدُكُم أنّي قد أمنتُ شيعتَها منَ النارِ»[1].
تمثّلُ العبوديّةُ للهِ عزَّ وجلَّ قمّةَ الكمالِ الذي يصلُ إليهِ الإنسانُ؛ لأنَّ معرفتَهُ بنفسِهِ ترتبطُ بمعرفتِهِ بالغايةِ التي خُلِقَ لأجلِها، قالَ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[2]؛ فمَنِ استطاعَ أنْ يصلَ إلى مقامِ العبوديّةِ، فقدِ استطاعَ أنْ يُحقّقَ الغايةَ التي خُلِقَ لأجلِها، ومنْ أظهرِ مصاديقِ مَنْ تجلَّتْ فيهم العبوديّةُ للهِ عزَّ وجلَّ مولاتُنا فاطمةُ الزهراءُ (عليها السلام)، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «إنَّ قيمةَ فاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام) تكمنُ في عبوديّتِها للهِ، ولولا عبوديّتُها لما اتّصفَتْ بالصدّيقةِ الكبرى، فالصدّيقُ هوَ الشخصُ الذي يُظهِرُ ما يعتقدُهُ ويقولُهُ على سلوكِهِ وفعلِهِ، وكلَّما كانَ هذا الصدّيقُ أكبرَ كانَت قيمةُ الإنسانِ أعظمَ، فيكونُ صدّيقاً، كما قالَ تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ﴾[3]، حيثُ جاءَ ذكرُ الصدّيقينَ بعدَ النبيّينَ.
فكانَتْ هذهِ العظيمةُ صدّيقةً كبرى، أي أفضلَ صدّيقةٍ، وكانَتْ صدّيقيّتُها بعبادتِها للهِ، فالأصلُ هوَ عبادةُ اللهِ. وهذا لا يختصُّ بفاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام)، فحتّى أبوها الذي يُعدُّ مصدرَ فضائلِ المعصومينَ جميعاً، والذي يُشكّلُ أميرُ المؤمنينَ وفاطمةُ الزهراءُ (عليها السلام) قطراتِ بحرِ وجودِهِ المتلاطمِ، إنّما كانتْ قيمتُهُ عندَ اللهِ بفضلِ عبوديّتِهِ: «أشهدُ أنّ محمّداً عبدُهُ ورسولُهُ»، فقد جاءَ ذكرُ العبوديّةِ قبلَ الرسالةِ، بل إنَّ الرسالةَ إنّما أُعطيَتْ لهُ لعبادتِهِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يعلمُ بمخلوقِهِ وما تصنعُ يداهُ، أفَلَسنا نقرأُ في زيارةِ الزهراءِ (عليها السلام): «امتحنَكِ اللهُ الذي خلقَكِ قبلَ أنْ يخلقَكِ»[4]؟»[5].
وعندما نتحدّثُ عن عظمةِ الإسلامِ وعظمةِ هذا الدينِ في الانقلابِ الذي أحدثَهُ في النفوسِ في بداياتِ البعثةِ، فإنَّنا نجدُ مشهداً منْ عظمةِ هذا الدينِ في تربيتِهِ لشخصيّةٍ عظيمةٍ كفاطمةَ (سلامُ اللهِ عليها)، يقولُ الإمامُ الخامنئيّ (دامَ ظلُّه): «إنّها لمعجزةُ الإسلامِ، وإنّها فاطمةُ الزهراءُ (عليها السلام) التي نالَتْ مقاماً رفيعاً، وباتَتْ سيّدةَ نساءِ العالمينَ برغمِ سنواتِ عمرِها القصيرةِ، وفاقَتْ جميعَ النساءِ عظمةً وقدسيّةً في تاريخِ الإنسانيّةِ. فما هيَ تلكَ الطاقةُ، وما هيَ تلكَ القوّةُ الباطنيّةُ العميقةُ التي استطاعَتْ خلالَ مدّةٍ قصيرةٍ أنْ تجعلَ منْ هذا الإنسانِ محيطاً لا حدودَ لهُ منَ المعرفةِ والعبوديّةِ والقداسةِ والكمالِ المعنويِّ؟ إنّ هذه بحدِّ ذاتِها هيَ معجزةُ الإسلامِ»[6].
ختاماً، نُعزّي صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ تعالى فرجَهُ الشريفَ) ووليَّ أمرِ المسلمينَ والمجاهدينَ جميعاً بذكرى شهادةِ الصدّيقةِ الطاهرةِ فاطمةَ الزهراءِ (سلامُ اللهِ عليها).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الصدوق، الآمالي، ص175.
[2] سورة الذاريات، الآية 56.
[3] سورة النساء، الآية 69.
[4] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، ج6، ص10.
[5] من كلامٍ له (دام ظلّه) في ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين، 1426هـ.
[6] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 05/07/2007م.









