يمكن القول أن الصلح الشجاع للإمام الحسن عليه السلام مع معاوية بن أبي سفيان هو العامل الوحيد لبقاء الأقلية الشيعية في ذاك العصر، ولعل من المناسب أن يعمل المحققون اليوم على توضيح هذه المسألة. ثم إن أكثر المقالات والدراسات التي تناولت صلح الإمام عليه السلام كانت تدور في أطرافه وجوانبه.
وعلى الرغم من أن هذه المحاولات تبين عمق وعظمة صلح الإمام عليه السلام إلا أنها لم تلتفت إلى المرحلة الأخرى (قبل الإمامة وبعد الصلح) وهذا يعني أن معلومات الناس قليلة في هذا الإطار. سنتعرف في هذا المقال على الإمام الحسن عليه السلام في مرحلة الإمامة وقبل الصلح.
نفوذ الأمويين في حاكمية الدين
لعل من أكبر المشكلات التي كان يواجهها الإمام الحسن عليه السلام في مرحلة إمامته، هي نفوذ الأمويين في حاكمية الدين وذلك في المراحل السابقة وظهور آثار ذلك في مراحل لاحقة. لقد بدأ هذا النفوذ منذ رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبلغ الأوج في مرحلة خلافة عثمان. طبعاً من المفترض أن نفوذ الأمويين بدأ بالازدياد منذ اتساع الحكومة الإسلامية. وكلما انتشر الإسلام كانت تزداد المجموعات التي تدخل فيه. وبما أن المنافقين لم يكن بإمكانهم مواجهة التيار الإسلامي الكبير لذلك لم يكن أمامهم سوى الانخراط فيه. طبعاً لم تدخل هذه الفرق الإسلام عن رغبة بل اضطراراً لعدم قدرتها على المقاومة. بل هؤلاء نطقوا بالشهادتين عندما شاهدوا لواء لا إله إلا الله يرفرف فوق المدينة. وهذا يعني أنهم لجئوا إلى تكتيكات مؤقتة.
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على علم كامل بما يجري وقد تحدث حول نواياهم قائلاً: "إذا بلغ بنو العاص ثلاثين اتخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً ودين الله دخلاً"1.
جدول مراحل حياة الإمام الحسن (ع) ووضع الأمويين في هذه المراحل |
|||||||
الرقم |
المرحلة |
الزمن |
المدة |
وضع الأمويين |
جمع المراحل |
||
1 |
الرسول الأكرم (ص) |
3 رمضان 3هـ (ولادة الإمام الحسن) إلى صفر 11هـ |
8 سنوات |
المواجهة منذ ولادة الإمام إلى فتح مكة، ثم المماشاة حتى عام 11هـ |
8 سنوات |
||
2 |
مرحلة إمامة الإمام علي (ع) |
أبو بكر |
صفر 11هـ إلى 36 هـ |
25 سنة |
النفوذ في الحكم |
25 سنة |
|
عمر |
|||||||
عثمان |
أوج التسلط في أركان الحكومة |
||||||
3 |
إمامة الإمام الحسن |
خلافة أمير المؤمنين |
36هـ إلى 21 رمضان 40هـ |
4 سنوات |
معارضة الحكم (العلوي) |
4 سنوات و7 أشهر |
|
الحكومة |
40هـ إلى ربيع أو جمادى 41هـ |
7 أشهر |
|||||
الإمامة |
ربيع أو جمادى 41هـ إلى 28 صفر 50هـ الشهادة |
|
الوصول إلى الحاكمية والالتصاق بها |
41هـ إلى 61هـ (شهادة الإمام الحسن) حوالي 20 سنة |
وكان الإمام الحسن عليه السلام على علم كامل بهذا الأمر وقد تحدث حوله بصراحة مع معاوية، وذكره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد لعن أبو سفيان في سبع أماكن وهي عبارة عن:
1 - عندما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خارج مكة وبالقرب من الطائف يدعو قبيلة بني ثقيف إلى الإسلام. حيث جاء أبي سفيان وخاطب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعبارات سيئة ونسب إليه الكذب.
2 - عندما كانت قافلة قريش تأتي من الشام وقد أراد الرسول إيقافها مقابل الأموال التي سلبوها للمسلمين، في تلك المرحلة حوَّل أبو سفيان القافلة نحو مكة فكانت معركة بدر.
3 - في يوم أحد، عندما صعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الجبل ونادى: "الله مولانا ولا مولى لكم" عندها نادى أبو سفيان قائلاً: "أُعل هبل، إن لنا العزى ولا عزى لكم".
4 ـ في معركة الأحزاب حيث لعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبي سفيان.
5 - في يوم صلح الحديبية عندما أغلق أبو سفيان مع قريش الطريق على المسلمين ومنعوهم من أداء فريضة الحج.
6 ـ في معركة حنين حيث جمع أبو سفيان كفار قريش وهوازن وعُيينه وبعض اليهود. فدفع الله شرّهم. وقد تحدث الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية صراحة مبيناً له أنه كان مشرك وكان يساعد أباه، بينما كان علي عليه السلام ثابت على دين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
7 - في يوم الثنية عندما قرر أبو سفيان مع أحد عشر شخصاً آخر قتل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم...2
إن ما قام به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أظهر الوجه الحقيقي لهذه الشخصيات، إلا أن الانحراف في مسيرة حاكمية الدين أدى إلى إعادة ظهور هذه المجموعات، فبمجرد خروج الحاكمية من أيدي الصالحين اتسع المجال لحزب النفاق.
اتسع نفوذ حزب أبي سفيان في أيام عمر حتى أن معاوية تولى ولاية الشام في عهده، وكان عمر يعزل وينصب إلا أن هذه الأمور لم تكن تطال معاوية فأسس موقعاً ثابتاً لحزبه.
واتسعت دائرة سلطة بني أمية في عهد عثمان، ولعل ذلك بسبب الرابطة النسبية بين عثمان ومعاوية، فتسلطوا على أمور الدين، حتى أن مروان ووالده المطرودين من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجعا إلى المدينة في عهد عثمان واستلموا بعض المسؤوليات الأساسية. وقد خاطب الإمام الحسن عليه السلام معاوية ومن معه قائلاً: "ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا ابن أخي هل علينا من عين؟ فقال: لا، فقال أبو سفيان تداولوا الخلافة فتيان بني أمية فوالذي نفس أبي سفيان بيده ما من جنة ولا نار. وأنشدكم بالله أتعلمون أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وقال: يا ابن أخي اخرج معي إلى بقيع الفرقد فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره فصاح بأعلى صوته: يا أهل القبور، الذي كنتم تقاتلونا عليه، صار بأيدينا وأنتم رميم، فقال الحسين بن علي عليه السلام: قبح الله شيبتك، وقبح وجهك، ثم نثر يده وتركه فلولا النعمان ابن بشير أخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك. فهذا لك يا معاوية، فهل تستطيع أن ترد علينا شيئاً... ومنها أن عمر بن الخطاب ولاك الشام فخنت به وولاك عثمان فتربصت به ريب المنون ثم أعظم من ذلك أنك قاتلت علياً صلوات الله عليه وآله وقد عرفت سوابقه وفضله وعلمه... بل أوطأت الناس عشوة، وأرقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك، فعل من لا يؤمن بالمعاد ولا يخشى العقاب..."3.
وعلى هذا الأساس تمكن بني أمية في أيام عثمان من السيطرة على ركني الحكومة (الثروة والمناصب) الأساسيين، وكانوا ينتظرون السيطرة على الركن الثالث أي الحاكمية والسيطرة على الدين.
وقد حصل هذا الأمر بعد قتل عثمان، فبدأ معاوية الادعاء بأنه يريد الانتقام لعثمان وتمكن في مدة قصيرة من السيطرة على عواطف الناس الدينية. وهذا يعني كما أن حياة عثمان كانت فرصة للحصول على المناصب، كذلك كان مقتله فرصة للحصول على مقدار أكبر من المكاسب.
هنا من المناسب الإطلالة على رسالة الشبث بن ربعي إلى معاوية: "يا معاوية، قد فهمت ما رددت على ابن محصن، إنه لا يخفى علينا ما تقرب وما تطلب، إنك لا تجد شيئاً تستفوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا أن قلت لهم قتل إمامكم مظلوماً فهلموا نطلب بدمه، فاستجاب لك سفهاء طغام رذال.. وأحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب..."4.
ولعل أجمل العبارات تلك التي قالها الإمام علي عليه السلام مخاطباً معاوية: "إنك إنما نصرت عثمان حينما كان النصر لك وخذلته حينما كان النصر له"5.
1- شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة، الخطبة 128.
2- شرح ابن أبي الحديد، ج14، ص75؛ تذكرة الخواص، ابن الجوزي، ص 183 وبحار الأنوار، ج44، ص70 - 86.
3- بحار الأنوار، ج44، ص70 - 86.
4- وقعة صفين، ص187، تاريخ الطبري، ج3، ص570، الغدير، 9، ص151.
5- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج3، ص411؛ الغدير، ج3، ص150.