عنِ الإمامِ محمّدٍ بنِ عليٍّ الجوادِ (عليه السلام): «ثَلاثٌ يَبلُغْنَ بِالعبدِ رِضوانَ اللهِ تعالى: كثرةُ الاستغفار، وَلِينُ الجانب، وَكثرة الصَّدَقة»[1].
إنَّ سعيَ المؤمنِ العارفِ باللهِ عزَّ وجلَّ لا يقتصرُ على الإتيانِ بالتكاليفِ الإلهيّةِ المفروضةِ، أو زيادةِ العملِ بالمستحبّاتِ فقط، بل إنَّ سعيَهُ الدائمَ هوَ الوصولُ إلى مقامِ ﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾[2]، وهذا يتحقّقُ عبرَ المواظبةِ والمحافظةِ على سلوكِ الطُّرقِ المُوصِلةِ إلى رضوانِه. وفي هذا الحديثِ المرويِّ عنِ الإمامِ الجوادِ (عليه السلام) بيانٌ لثلاثِ طُرقٍ مُوصِلةٍ للعبدِ إلى رضا مولاهُ.
1. كثرةُ الاستغفار: والاستغفارُ -كما وردَ في الحديثِ المرويِّ عنِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله)- هوَ الدواءُ الذي يُعالجُ مرضَ الذنوبِ، فعنِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) أنَّهُ قالَ: «ألا أُدلُّكُم على دائِكُم ودوائِكُم، ألا إنَّ داءَكُم الذنوبُ، ودواءَكُم الاستغفارُ»[3].
بل للاستغفارِ أثرُهُ في السَّترِ على الإنسان، ففي الروايةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «تَعَطَّرُوا بِالاسْتِغْفَارِ، لَا تَفْضَحْكُمْ رَوَائِحُ الذُّنُوبِ»[4].
والاستغفارُ يُسجَّلُ في صحيفةِ عملِ العبدِ تحتَ ذنبِه، فيكونُ وقايةً لهُ من تبِعاتِه، ففي الحديثِ عنِ الإمامِ الصادقِ جعفرٍ بنِ محمّدٍ، عن أبيهِ (عليهما السلام)، قالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله): طُوبَى لِمَنْ وُجِدَ فِي صَحِيفَةِ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ كُلِّ ذَنْبٍ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ»[5].
ومَن تدبَّرَ آياتِ الفرقانِ الحكيم، أصبحَ على يقينٍ من أنَّ كثرةَ الاستغفارِ تُعَدُّ من أعظمِ أسبابِ القوّةِ، فقد قالَ اللهُ تعالى على لسانِ نبيِّهِ هودٍ (عليه السلام): ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾[6].
2. لِينُ الجانب: ولِينُ الجانبِ يكونُ تارةً بالقولِ، وأخرى بالفعلِ؛ أمّا بالقولِ: فأن يكونَ هادئاً في كلامِه، فإذا تحدَّثَ معَ الناسِ تحدَّثَ بلطفٍ وهدوءٍ وبصوتٍ مُعتدلٍ، فلا شدّةَ، ولا صراخَ، ولا عجرفةَ، ولا تكبُّرَ، ولا يقولُ فُحشاً، ولا كلاماً بذيئاً أو مُهيناً.
وأمّا لِينُ الجانبِ بالفعلِ: فهوَ التعاملُ بلطفٍ ومحبّةٍ معَ الناسِ، وأن يكونَ سهلَ التعاملِ، يعتمدُ الاحترامَ في ذلك، ويبتعدُ عنِ الشدّةِ والغلظةِ، حتّى لو أخطأَ أحدُهُم أمامَه، أو أساءَ إليهِ أحدٌ، أوِ استفزَّهُ.
وفي الحديثِ عنِ الإمامِ الصادقِ جعفرٍ بنِ محمّدٍ، عن أبيهِ، عن آبائِهِ (عليهم السلام)، قالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله): أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ غَداً؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الْهَيِّنُ الْقَرِيبُ اللَّيِّنُ السَّهْلُ»[7].
3. كثرةُ الصَّدَقة: والصدقةُ هيَ كلُّ ما يقدّمُهُ الإنسانُ من مالٍ، أو عملٍ، أو حتّى كلمةٍ طيّبةٍ، يقصدُ بذلكَ وجهَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهيَ ممّا يثقلُ على إبليسَ، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «وَلَيْسَ شَيْءٌ أَثْقَلَ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وَهِيَ تَقَعُ فِي يَدِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ الْعَبْدِ»[8].
والصدقةُ هيَ كلُّ معروفٍ تقومُ به، فعن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «إِنَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةً»، قَالَ رَجُلٌ: مَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ (صلّى الله عليه وآله): «إِمَاطَتُكَ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ إِلَى الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وَعِيَادَتُكَ الْمَرِيضَ صَدَقَةٌ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ [صَدَقَةٌ]، وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَرَدُّكَ السَّلَامَ صَدَقَةٌ»[9].
في الختامِ، نُباركُ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، ذكرى الولادةِ العطرةِ للإمامِ محمّدٍ الجوادِ (عليه السلام)، في العاشرِ من شهرِ رجب، عامَ 195 هجريّةً.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] عليّ بن محمّد أحمد المالكيّ (ابن الصبّاغ)، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة (عليهم السلام)، ج2، ص1055.
[2] سورة المائدة، الآية 119.
[3] البيهقيّ، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، ج5، ص428.
[4] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص372.
[5] الشعيريّ، محمّد بن محمّد، جامع الأخبار، ص56.
[6] سورة هود، الآية 52.
[7] الشيخ الصدوق الأمالي، ص397.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص3.
[9] الراونديّ، الدعوات، ص98.









