بسم الله الرحمن الرحيم
بناء مسجد قباء أول مسجد في الإسلام -12 / ربيع الأول / السنة 13 للبعثة
﴿لّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التّقْوَىَ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ أَحَقّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أَن يَتَطَهّرُواْ وَاللهُ يُحِبّ الْمُطّهّرِينَ﴾1، وقد ورد في الأحاديث أن الصلاة فيه تعدل عمرة مفردة.
وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد خروجه من الغار إلى قرية قباء2 الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول، ونزل وصاحبه على كلثوم بن الهدم، وهو شيخ من بني عمرو، وقد خط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسجداً لقبيلته بني عمرو بن عوف، ونصب لهم قبلته3، وكان أول مسجد بني في الإسلام، وقد عبّر عنه القرآن بأنه المسجد الذي أسس على التقوى.
مكانة المسجد في الإسلام:
إن للمساجد مكانة عالية ومرموقة في الإسلام، وقد جعلها الله تعالى بيوته في الأرض، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "مكتوب في التوراة، أن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر، ألا بشّر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة"4.
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: "عليكم بإتيان المساجد، فإنها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه، وكتب من زواره، فاكثروا فيها من الصلاة والدعاء"5.
وقد اعتبر الإسلام المساجد مراكز للمسلمين، فمنها يستفيدون علوم دينهم، ويحيون نفوسهم، ويتأدبون بآداب نبيهم، فعن علي عليه السلام قال: "من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستظرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو يترك ذنباً خشية أو حياء"6.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث: إما دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة، وإما دعاء يدعو به ليصرف الله به عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله عز وجل"7.
الآداب المعنوية للمساجد:
قد جعل الإسلام لبيوت الله في الأرض آداباً قلبية وروحية ونفيسة، ينبغي على زائرها الالتفات إليها، وفيما يلي حديث للإمام الصادق عليه السلام قد جمع فيه جملة من هذه الآداب فقال عليه السلام: "إذا بلغت باب المسجد فاعلم أنك قصدت باب بيت ملك عظيم، لا يطأ بساطته إلا المطهّرون، ولا يؤذن بمجالسة مجلسه إلاّ الصدّيقون، وَهَبَ القدوم إلى بساط خدمة الملك، فإنك على خطر عظيم، إن غفلت هيبة الملك، واعلم أنه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك. واعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك بين يديه، فإنك قد توجهت للعبادة له، والمؤانسة واعرض أسرارك عليه، ولتعلم أنه لا تخفي عليه أسرار الخلائق أجمعين وعلانيتهم، وكن كأفقر عباده بين يديه، وأخل قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك، فإنه لا يقبل إلاّ الأطهر والأخلص"8.
الآداب السلوكية للمساجد:
كما جعل الإسلام آداباً معنوية للمساجد، جعل لها أيضاً آداباً عملية سلوكية، وهي كما يلي:
الأول: أن يتطهر زائرها في بيته ثم يأتيها، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه مكتوب في التوراة: "أن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي"9.
الثاني: صلاة ركعتين تحية المسجد، فقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا تجعلوا المساجد طرقاً حتى تصلّوا فيها ركعتين"10.
الثالث: التطيّب والتنظّف لدخولها، قال تعالى: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ﴾11.
الرابع: أن لا يصلي جار المسجد إلا في المسجد، فعن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، إلا أن يكون له عذر أو به علة"، فقيل: ومن جار المسجد يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: "من سمع النداء"12.
الخامس: إعمارها بالصلاة والذكر والدعاء، قال تعالى: ﴿إِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَقَامَ الصّلاَةَ وَآتَىَ الزّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاّ اللهَ فَعَسَىَ أُوْلَـَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾13.
السادس: ترك ما لا ينفع من الأفعال والأقوال، والتحدث بحديث الدنيا والبيع والشراء ورفع الأصوات، فقد سأل أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كيفية عمارة المساجد، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ترفع فيها الأصوات، ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشترى فيها ولا يُباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومنّ يوم القيامة إلا نفسك"14. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصلّ، أو ذكر الله، أو سائل عن علم"15.
1- سورة التوبة: الآية 108.
2- تقع قرية قباء على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة، وكانت مساكن بني عمرو بن عوف.
3- تاريخ الخميس 1: 333، بل نقل قوياً: أن المسجد بناه عمار قبل وصول الرسول (موسوعة التاريخ الإسلامي: ج3).
4- بحار الأنوار 83: 373.
5- أمالي الصدوق: 293 ح8.
6- أمالي الصدوق: 1/31 ح 16.
7- أمالي الطوسي: 47 ح57.
8- مصباح الشريعة المنسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام .
9- بحار الأنوار 83: 373 ح37.
10- أمالي الصدوق: 344 ح1.
11- سورة الأعراف: الآية 31.
12- بحار الأنوار 83: 354 ح7.
13- سورة التوبة: الآية 18.
14- مكارم الأخلاق 2: 374 ح2661.
15- بحار الأنوار 77: 86 ح3.