بسم الله الرحمن الرحيم
شهادة الإمام السيد محمد باقر الصدر قدس سره_(9/ نيسان/ 1980م)
ولادته ونشأته:
ولد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر قدس سره في مدينة الكاظمية المقدسة في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ، وكان والده العلامة المرحوم السيد حيدر الصدر ذا منزلة عظيمة، وقد حمل لواء التحقيق والتدقيق والفقه والأصول، وكان عابداً زاهداً عالماً عاملاً، ومن علماء الإسلام البارزين.
وكان جده لأبيه السيد إسماعيل الصدر، زعيماً للطائفة، ومربياً للفقهاء، وفخراً للشيعة، زاهداً ورعاً ضالعاً بالفقه والأصول، وأحد المراجع العِظام للشيعة في العراق.
أما والدته فهي الصالحة التقية بنت المرحوم آية الله الشيخ عبد الحسين آل ياسين، وهو من أعاظم علماء الشيعة ومفاخرها.
بعد وفاة والده تربى السيد محمد باقر الصدر في كنف والدته وأخيه الأكبر، ومنذ أوائل صباه كانت علائم النبوغ والذكاء بادية عليه من خلال حركاته وسكناته.
دراسته وأساتذته:
- تعلم القراءة والكتابة وتلقى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية، في مدينة الكاظمية المقدسة وهو صغير السن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ.
- بدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية.
- في بداية الثانية عشرة من عمره بدأ دراسة كتاب (معالم الأصول) عند أخيه السيد اسماعيل الصدر، وكان يعترض على صاحب المعالم، فقال له أخوه: إن هذه الاعتراضات هي نفسها التي اعترض بها صاحب كفاية الأصول على صاحب المعالم.
- في سنة 1365 هـ، هاجر السيد الشهيد من الكاظمية المقدسة إلى النجف الاشرف، لإكمال دراسته، وتتلمذ عند شخصيتين بارزتين من أهل العلم والفضيلة وهما: آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين قدس سره، وآية الله العظمى الإمام السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره.
- أنهى دراسته الفقهية عام 1379 هـ والأصولية عام 1378 هـ عند آية الله العظمى السيد الخوئي قدس سره.
- بالرغم من أن مدة دراسة السيد الصدر منذ الصبا وحتى إكمالها لم تتجاوز 17 أو 18 عاماً، إلا أنها من حيث نوعية الدراسة تعدّ فترة طويلة جداً، لأن السيد كان خلال فترة اشتغاله بالدراسة منصرفاً بكلّه لتحصيل العلم، فكان منذ استيقاظه من النوم مبكراً وإلى حين ساعة منامه ليلاً يتابع البحث والتفكير، حتى عند قيامه وجلوسه ومشيه.
تدريسه:
بدأ السيد الصدر في إلقاء دروسه ولم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين عاماً، فقد بدأ بتدريس الدورة الأولى في علم الأصول بتاريخ 12 / جمادي الآخرة / 1378 هـ وأنهاها بتاريخ 12 / ربيع الأول / 1391، وشرع بتدريس الدورة الثانية في 20 رجب من نفس السنة، كما بدأ بتدريس البحث الخارج في الفقه على نهج العروة الوثقى في سنة 1381هـ.
تلامذته:
ربى السيد الشهيد جملة من الفضلاء الذين تتلمذوا على يديه، منهم:
1- آية الله السيد كاظم الحائري (دام ظله).
2- آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (دام ظله).
3- آية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره.
مؤلفاته:
ألّف سماحته قدس سره العديد من الكتب القيمة في مختلف حقول المعرفة، وكان لها دور بارز في انتشار الفكر الإسلامي على الساحة الإسلامية وهذه الكتب هي:
1- فلسفتنا: وهو دراسة موضوعية في معترك الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية، وخاصة الفلسفة الإسلامية والمادية والديالكتيكية الماركسية.
2- اقتصادنا: وهو دراسة موضوعية مقارنة، تتناول بالنقد والبحث المذاهب الاقتصادية للماركسية والرأسمالية والإسلام، في أسسها الفكرية وتفاصيلها. وغيرها من الكتب الهامة التي أغنت المكتبة الإسلامية.
3- دروس في علم الأصول (3 أجزاء).
4- فدك في التاريخ.
5- بحث حول المهدي.
6- نشأة التشيع و الشيعة.
7- نظرة عامة في العبادات.
أقوال العلماء حوله:
قال فيه صاحب كتاب أعيان الشيعة: "هو مؤسس مدرسة فكرية إسلامية أصيلة تماماً، اتسمت بالشمول من حيث المشكلات التي عنيت بها ميادين البحث، فكتبه عالجت البُنى الفكرية العليا للإسلام، وعنيت بطرح التصور الإسلامي لمشاكل الإنسان المعاصر... مجموعة محاضراته حول (التفسير الموضوعي) للقرآن الكريم طرح فيها منهجاً جديداً في التفسير، يتسم بعبقريته وأصالته".
استشهاده:
النشاط البارز للسيد الشهيد في نشر تعاليم الإسلام وضعه في صدام مع الزمرة البعثية البائدة الحاكمة آنذاك مما صدر أمر مباشر من الحاكم المستبد صدام التكريتي باعتقاله في 19/ جمادى الأولى/ 1400هـ الموافق 5/4/1980م، بعد أن أمضى 10 أشهر في الإقامة الجبرية.
وبعد ثلاثة أيام من الاعتقال استشهد السيد الصدر بنحو فجيع مع أخته العلوية الطاهرة (بنت الهدى).
وفي مساء يوم 9/ 4/ 1980م (1400هـ)، وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً، قطعت السلطة البعثية التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف، وفي ظلام الليل الدامس تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار المرحوم حجة الإسلام السيد محمد صادق الصدر - أحد أقربائه - وطلبوا منه الحضور معهم إلى بناية محافظة النجف، وكان بانتظاره هناك المجرم مدير أمن النجف، فقال له: هذه جنازة الصدر قد تم إعدامه، وطلب منه أن يذهب معهم لدفنها، فأمر مدير الأمن الجلاوزة بفتح التابوت، فشاهد السيد محمد صادق، الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره. مضرجاً بدمائه، وآثار التعذيب على كل مكان من وجهه، وقد تم دفن جثمانه الشريف في مقبرة وادي السلام، المجاورة لمرقد الإمام علي عليه السلام في النجف الأشرف، وأمّا أخته الشهيد بنت الهدى حتى هذا اليوم لا يعرف أين دفنت.
والسلام على روحهما الطاهرتان.
ومن حسن الصدفة أو الحكمة ولعله من عجائب التاريخ إن سقوط صدام المجرم كان في يوم الذي استشهد هذا العالم الجليل وذلك بعد عشرين عاماً من شهادته.