بسم الله الرحمن الرحيم
ميلاد السيدة زينب الكبرى عليها السلام_(5 / جمادى الأولى / السنة 5 هـ)
اسمها ونسبها:
زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أمّها سيدة نساء العالمين، فاطمة عليه السلام بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ولادتها:
ولدت بالمدينة المنورة، في الخامس من جمادى الأولى، في السنة الخامسة للهجرة.
سيرتها وفضائلها:
كانت عليه السلام عالمة غير معَلّمة، وفهِمة غير مفهّمة، كما وصفها بذلك الإمام زين العابدين عليه السلام 1، عاقلة لبيبة، جزلة، وكانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها أمير المؤمنين وأمها الزهراء عليهما السلام.
اتصفت عليه السلام بمحاسن كثيرة، وأوصاف جليلة، وخصال حميدة، وشيم سعيدة، ومفاخر بارزة، وفضائل طاهرة.
حدثت عن أمها الزهراء عليه السلام، وكذلك عن أسماء بنت عميس كما روى عنها محمد بن عمرو، وعطاء بن السائب، وفاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبّّاد العامري2.
عرفت زينب عليه السلام بكثرة التهجّد شأنها في ذلك شأن جدّها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام، وروي عن الإمام زين العابدين عليه السلام قوله: "ما رأيت عمتي تصلي الليل عن جلوس إلا ليلة الحادي عشر" أي أنها ما تركت تهجدها وعبادتها المستحبة حتى تلك الليلة الحزينة، بحيث أن الإمام الحسين عليه السلام عندما ودّع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء، قال لها: "يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل"3.
وذكر بعض أرباب السير أن زينب عليه السلام كان لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء في الكوفة في زمن إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، حيث دخل عليها أبوها عليه السلام فوجدها تفسّر لهنّ ﴿كهيعص﴾4 من سورة مريم، وأيضاً روى أرباب السير أن دعاءها كان مستجاباً.
شخصية السيدة زينب عليه السلام:
ولدت السيدة زينب الكبرى عليه السلام في جمادى الأولى السنة الخامسة للهجرة، على ما حققه الشيخ جعفر النقدي، وقيل في السادسة، أبوها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وأمها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وأخوتها الحسن والحسين من أمها فاطمة عليه السلام 5.
حينما علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه المولودة المباركة سارع إلى بيت بضعته فأخذها، غير أن دموعه تبلورت على سحنات وجهه الكريم، فضمها إلى صدره، وجعل يوسعها تقبيلاً.
بهرت فاطمة عليه السلام من بكاء أبيها، فانبرت قائلةً: ما يبكيك يا أبتي، لا أبكى الله لك عيناً؟!
فقال: يا فاطمة، اعلمي أنّ هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصبّ عليها المصائب والرزايا6..
وحينما علم سلمان المحمدي(ره) بولادة هذه الوليدة المباركة أقبل على أمير المؤمنين يهنئه، فألفاه حزيناً واجماً، فتحدث له ما ستعانيه ابنته من المآسي والخطوب7.
سألت فاطمة عليه السلام علياً أن يسمي وليدته المباركة، فقال عليه السلام: "ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فعرض الإمام عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسميها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما كنت لأسبق ربي".. فجاءه النداء من السماء: "سمّ هذا المولود زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم"8..
وكانت عليه السلام تكنّى بأم كلثوم، وقيل بأم الحسن9، ولقّبت بألقاب سامية تنم عن صفاتها الكريمة، ونزعاتها الشريفة، فقد لقبت بـ: عقيلة بني هاشم، - ومعنى العقيلة: المرأة الكريمة على قومها، والعزيزة في بيتها -، والعالمة وعابدة آل علي، والكاملة والفاضلة10، كما اشتهرت بأمّ المصائب، لهول ما لاقته في مسيرة حياتها، وكنّاها الكتّاب المتأخّرون ببطلة كربلاء.
تربّت السيدة زينب عليه السلام في بيت النبوة، ومركز العلم والفضل، ومنبع الكمال، فجدّها المصطفى خير من على وجه الأرض، وأبوها سيد الأوصياء، وإمام المتقين، وأمها سيدة نساء العالمين، وإخوتها الحسن والحسين الإمامان إن قاما أو قعدا، فورثت من جدها دعوته ورسالته، ومن أبيها بلاغته وشجاعته، ومن أمها عبادتها وجلالتها، فكانت بحق مصداقاً فريداً للبيت النبوي.
فقدت السيدة زينب جدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعاصرت محنة علي وفاطمة، وعايشت جميع مصائب أمها الزهراء، وشاهدت عن كثب آلامها وأوجاعها بقلب حزين، ومهما تخيلنا فلا نصل إلى واقع مصابها عندما فقدت أمها ولم تزل في ربيع الصبا، في الوقت الذي أحوج ما كانت تحتاجه إلى أمها، وكم أظلم البيت عليها في تلك الليالي التي كانت تمر عليها، ولا ترى لأمها فيه شخصاً، ولا تسمع لها حسيساً.
لكن رغم كل الصعوبات كانت تقف مع إخوتها إلى جانب السيد الأكبر علي بن أبي طالب، مجسّدة أفعال أمها، وارثة عنها حنانها المتدفّق الذي أفرغته لسائر أفراد أسرتها، ولئن وفّق الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بابنته الزهراء التي كانت مصداقاً حقيقياً لخديجة في وفرة حنانها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والوقوف إلى جانبه، حتى قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "فاطمة أم أبيها"11. فكذلك كانت زينب عليه السلام أُماً حنوناً ليست لعلي عليه السلام فحسب بل لسائر أفراد أسرتها.
لما بلغت مبلغ النساء هبّ لخطبتها الأشراف12، غير أن علياً عليه السلام اختار لها ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار، الذي ربّاه13 بعد شهادة أبيه، وكانت أمه أسماء بنت عميس وثيقة الصلة والعلاقة بالسيدة الزهراء، وقد أصدقها الإمام (480 درهماً) من خالص ماله، كصداق أمها الزهراء عليه السلام 14.
وكان عبد الله ممن صحب النبي وسمع حديثه، وحفظ عنه، ولازم عمه أمير المؤمنين، وابني عمه الحسن والحسين، وأخذ العلم عنهم. وكان أغنى بني هاشم وأيسرهم، وكانت له ضياع كثيرة، ومتاجرة واسعة، وكان أسخى رجل في الإسلام، وله حكايات في جوده وسخاءه وكرمه كثيرة وعجيبة15.
عاشت زينب عليه السلام مع ابن عمها في حياة يسودها الإيمان والطمأنينة والرحمة، وكان نتاج هذا الزواج المبارك أربعة أولاد: عون16 - الذي استشهد مع خاله في كربلاء -، وعلي المعروف بالزينبي17، وإليه يرجع نسل عبد الله من زينب، وعباس18، وأم كلثوم البنت الوحيدة لزينب، والتي خطبها مروان بأمر من معاوية ليزيد، فجاء مروان وخطبها من أبيها عبد الله بن جعفر، فقال له: إن أمرها ليس إليّ، إنما هو لخالها الحسين، فلما أخبر الحسين بذلك وجرى بينه وبين مروان حوار، زوّجها عليه السلام من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر الطيار، وكان صداقها كصداق أمها وجدتها (480 درهماً)19.
وذكر بعض المؤرخين أن لها عليه السلام ولد آخر واسمه (محمد)، وقد استشهد مع الحسين عليه السلام في كربلاء ولكنه خطأ، لأن محمداً هذا هو ابن عبد الله بن جعفر من الخوصاء من بني بكر بن وائل20، فاشتبه البعض فظن أن نسبته إلى عبد الله يعني ابن زينب.
مواقـفها:
يُسجل لنا التاريخ بكل فخر واعتزاز مواقف مشرّفة وبطولية للسيدة زينب عليه السلام في يوم عاشوراء، حتى أنها أصبحت شريكة الحسين عليه السلام في نهضته، فلا يمكن التحدّث عن واقعة الطف ونتجاهل مواقفها، وسنذكر بعضاً من مواقفها في ذلك اليوم العصيب وفاءً لها ولصمودها بوجه أعداء آل البيت عليه السلام.
شاهدت زينب عليه السلام قتل أخيها الإمام الحسين عليه السلام وإخوتها وبني عمومتها من الشيوخ والشباب والأطفال، وخلّص أصحاب الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، وكذلك قتل ولديها عون ومحمد مع خالهما أمام عينيها، ثم حُملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام مع رؤوس الشهداء، ومع ذلك قابلت ابن زياد بكل شجاعة ورباطة جأش.
والملفت للنظر أن زينب عليها السلام كانت متزوجة من عبد الله بن جعفر، واختارت مرافقة أخيها الحسين عليه السلام، والخروج معه على البقاء عند زوجها، وزوجها راضٍ بذلك، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما، والجهاد بين يديه ففعلا حتى قُتلا، وحق لها ذلك، فمن كان لها أخ مثل الإمام الحسين عليه السلام وهي بهذا الكمال الفائق، لا يستغرب منها تقديم أخيها على زوجها.
أمّا موقفها عليه السلام من ثورة الإمام الحسين عليه السلام فقد تبنّتْ التبليغ لهذه الثورة مع باقي نساء أهل البيت عليهم السلام بلسان فصيح هو لسان علي عليه السلام، والخطبتان المشهورتان اللتان ألقتهما في الكوفة والشام خير شاهد على ما نقول.
1- مقتل الحسين للخوارزمي، والاحتجاج للطبرسي، طبع لبنان عام 1403 هـ ج2، 305.
2- الخصائص الزينبية للسيد الجزائري 68، وكتاب رياحين الشريعة للمعلاقي ج3، 57.
3- زينب الكبرى من المهد إلى اللحد: 255.
4- سورة مريم: الآية 1.
5- زينب الكبرى: 18.
6- الطراز المذهّب: 83.
7- بطلة كربلاء: 21.
8- زينب الكبرى: 17.
9- المصدر السابق.
10- السيدة زينب: 39-40.
11- طبعاً هذا المعنى الظاهري لكلمته 1، ويوجد لها معاني عميقة أُخرى.
12- عقيلة بني هاشم: 31.
13- المرأة العظيمة: 89-90.
14- المصدر السابق.
15- مع بطلة كربلاء لمغنية: 33.
16- ذكره الكثير من المؤرخين، وقد ورد ذكره فيمن استشهد مع الحسين في كربلاء في زيارة الناحية.
17- زينب الكبرى: 127.
18- المرأة العظيمة: 104، ولم يذكر المحققون شيئاً عن حياته.
19- زينب الكبرى: 129.
20- ذكره ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 110، وغيره.