بسم الله الرحمن الرحيم
يوم العمال العالمي_(1/ أيار/ 1889م)
بتاريخ (1/ أيار/ 1886م)، شنت قوات شرطة مدينة شيكاغو الأمريكية، حملة قاسية، على عدد كبير من العمال المتظاهرين الذين كانو يحتجون على ظروف عملهم الصعبة، حيث ذهب ضحية هذه الحملة عدد كبير من القتلى والجرحى، وبعد عدة أيام أقيمت محاكمة لقادة أولئك العمال حيث حكم عليهم بالموت.
وفي عام 1889م عقد اجتماع مجلس العمال العالمي في باريس، حيث تم فيه إقرار الأول من شهر أيار من كل عام، يوماً عالمياً للعمال، إحياءً لذكرى العمال الذين قتلوا في شيكاغو خلال مجزرة بشعة كشفت الوجه الحقيقي للإمبريالية الأمريكية التي تستهدف الربح فقط دون النظر إلى متطلبات العمال الطبيعية، في حين أن التعاليم الإسلامية نصت على الحفاظ على كرامة العامل في تشريعاتها الاجتماعية.
قيمة العمل في الإسلام:
الإسلام دين الفطرة السليمة، حيث ينظر نظرة واقعية إلى مختلف جوانب حياة الإنسان، ويراعي جميع متطلباته، ويأخذها بعين الاعتبار، على عكس بعض الأديان الأخرى التي قد تركز على الجانب (المعنوي) في حياته من خلال دعوته إلى الرهبانية والتقوقع والانعزال عن حركة الحياة، وكأن الإنسان خلق لأجل هذه المهمة فحسب، ولذلك نهى الإسلام عن هذه البدعة، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان بن مظعون: "يا عثمان، إن الله تبارك وتعالى لم يكتب علينا الرهبانية، إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله"1.
فالعمل والسعي من الحقائق الأساسية في الحياة، فلا يمكن للإنسان العيش بدون كسب قوت يومه لذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم : "إن النفس إذا أحرزت قُوْتَها استقرت"2.
والعمل من وجهة نظر الإسلام، يشمل كل مهنة أو صنعة يتطلب وقتاً وجهداً من الفرد لإنجازه، ولها مردود إيجابي في حياة الإنسان تكسبه الكرامة، وتبعده عن الوقوع في الحرام، فالطبيب عامل والمهندس عامل والطالب عامل والخطيب عامل والعالم عامل، والكاتب عامل.
وسنستعرض فيما يلي بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في فضل العمل والعامل:
1- العمل واجب: قال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾3.
عن زرارة قال: إن رجلاً أتى أبا عبد الله عليه السلام فقال: إني لا أحسن أن أعمل عملاً بيدي ولا أحسن أن أتجر وأنا محارف محتاج فقال: "اعمل فاحمل على رأسك واستغن عن الناس"4 .
2- العمل من أسس الحياة الكريمة: قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَكّنّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ5﴾.
وروي عن المعلى بن خنيس: رآني أبو عبد الله عليه السلام وقد تأخرت عن السوق فقال عليه السلام : "اُغْدُ إلى عِزِّك"6.
3- العمل مكمل للعبادة: قال شخص للإمام الصادق عليه السلام : رجل قال: لأقعدن في بيتي، ولأصلين ولأصومن ولأعبدن ربي، فأما رزقي فسيأتيني.
فقال أبو عبد الله عليه السلام : "هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم"7.
4- مراعاة الأمانة والإخلاص في العمل: قال الإمام علي عليه السلام : "إن الله يحب المحترف الأمين"8.
5- مراعاة الإتقان في العمل: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إذا عمل أحدكم عملاً فليتقن"9.
6- مراعاة الاختصاص في أداء العمل: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "من عمل على غير علم، ما يفسد أكثر مما يصلح"10.
7- مراعاة التنظيم والتخطيط في العمل: قال الإمام علي عليه السلام : "أمضِ لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه"11.
وغيرها من الأحاديث الكثيرة في فضل العمل ومكانة العامل.
بقي أن نشير هنا إلى أن الأئمة المعصومين(عليهم السلام) قد أعطوا المثال العملي على أقوالهم، حيث نزلوا إلى ساحات العمل، مع ما كانوا عليه من مكانة علمية واجتماعية بارزة، ليشجعوا المسلمين على بذل الجهد والتعب عند أداء أعمالهم، وإليكم بعض هذه النماذج الرائعة:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أظن أن علي بن الحسين عليه السلام يدع خلفاً أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي فأردت أن أعظه فوعظني فقال له أصحابه: بأي شيء وعظك؟ فقال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام وكان رجلاً بادناً ثقيلاً وهو متكىء على غلامين أسودين أو موليين فقلت في نفسي: سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحالة في طلب الدنيا أما لأعظنه فدنوت منه فسلمت عليه فرد عليّ بنهر وهو يتصابب عرقاً فقلت أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال؟!! فقال: لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعة الله عز وجل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس وإنما كنت أخاف لو أن جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله، فقلت: صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني"12.
وعن عبد الأعلى مولى آل سام قال: استقبلت أبا عبد الله عليه السلام في بعض طرق المدينة في يوم صائف شديد الحر فقلت: جعلت فداك حالك عند الله عز وجل وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنت تجهد نفسك في مثل هذا اليوم؟ فقال عليه السلام : "يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق لأستغني به عن مثلك"13.
وفيما سبق قدمنا عرضاً موجزاً لمكانة العمل والعامل في الإسلام، وما لم نقدر على إيراده أكثر بكثير حيث نتلمس روح الكرامة والعزة التي غرستها التعاليم الإسلامية في نفس الإنسان المسلم، وما أحوجنا في هذه الأيام لتمثلها لكي تستعيد الأمة مجدها وسؤددها.
1- أمالي الصدوق: 66.
2- وسائل الشيعة 17: 434.
3- سورة الجمعة: الآية 10.
4- الكافي 5: 76.
5- سورة الأعراف: الآية 10.
6- من لا يحضره الفقيه 3: 192.
7- وسائل الشيعة 7: 125.
8- وسائل الشيعة 17: 11.
9- وسائل الشيعة 3: 229.
10- تحف العقول: 47.
11- نهج البلاغة: 439.
12- وسائلالشيعة 17: 20.
13- الكافي 5: 74.