بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرى انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان
(25/ أيار/ 2000م)
يصادف هذا اليوم ذكرى تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني البغيض، وذلك بفضل المقاومة الباسلة التي أبداها مجاهدوا حزب الله الأبطال، طوال سنوات الاحتلال التي ابتدأت من غزو الصهاينة لبنان في عام 1982م، حيث ارتكبت فيها أبشع المجازر بحق هذا الشعب الأعزل واللاجئين الفلسطينيين، تحت ذريعة الحفاظ على أمن إسرائيل، وقد وصلت إلى العاصمة بيروت حيث حولتها إلى أنقاض بفعل القصف المستمر لها.
وفي هذه الأجواء الصعبة، ولدت المقاومة الإسلامية في لبنان، ممثلاً بحزب الله، إثر التوجيهات المباركة للإمام الخميني العظيم (قده)، حيث استطاعت بفضل إيمانها وإخلاصها وتضحياتها الغالية، أن تجبر العدو الصهيوني إلى التقهقر حتى الجنوب، ثم الانسحاب الذليل في جنح الليل، في 25 أيار من عام 2000م، بعد ثماني عشرة سنة من الاحتلال السافر.
وقد كان لدعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية دور بارز في هذا النصر المبين، كما لا يخفى الدور الذي لعبته الجمهورية العربية السورية في تحقيق هذا الإنجاز العظيم.
أهم عوامل انتصار المقاومة الإسلامية:
1- العون والمدد الإلهي:
لقد ارتكزت المقاومة الإسلامية في لبنان في جهادها ضد العدو الذي استمر لأكثر من عقدين على أداء التكليف فهي كانت تتطلع دائماً إلى رضا الله سبحانه وتعالى والعون الإلهي لتحقيق النصر وتحقق ذلك كما قال تعالى: {إِن تَنصُرُواْ اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ}(1).
وعليه كان انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان أولاً وأخيراً انتصاراً إلهياً مَنَّ الله به على أبناء الأمة العربية والإسلامية بل الأحرار جميعاً.
2- القيادة الحكيمة:
لابد لكل حركة جهادية تريد النصر أن تتمتع بقيادة حكيمة واعية لكل الظروف في مختلف الأبعاد.
ومن أجله، انتشر الإسلام وانتصر بفضل وجود رسول الله(ص) الذي كان قمة الكمال في كل الجوانب.
واستمراراً لهذا النهج المجيد فقد كان لارتباط المقاومة بالثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (قده) وانضوائها تحت لوائه واستلهامها من فكر القائد الإمام الخامنئي (دام ظله)، أثر بليغ في تحقيق النصر، وهذا ما أكدّ عليه كل قادة حزب الله في مختلف المواقف والمراحل منهم الشهيد السعيد السيد عباس الموسوي وسماحة السيد حسن نصر الله اللذان كانا لهما الدور المهم في انتصار المقاومة الإسلامية على عدوها إسرائيل وأمريكا.
3- تهيئة شروط النصر:
لابد لكل نصر من إعداد مركز من الناحيتين المادية والمعنوية، فقد وضعت المقاومة الإسلامية نصب عينيها تحقيق شروط النصر وعملت لإنجازها فقدمت الشهيد تلو الأخر وقدمت آلاف الجرحى والأسرى والمفقودين كما عملت في حركتها الميدانية والسياسية على تامين كل مستلزمات المعركة المطلوبة بالإمكانات المتاحة لديها، فراكمت كماً هائلاً من التجربة العسكرية وتعاملاً مرناً ومتقناً في أدائها السياسي والجماهيري والإعلامي فحشدت الشعب بكل فئاته وشرائحه ليشكل الحصن المنيع الذي يصعب اختراقه من قبل العدو.
4- استلهام فكر من النهضة الحسينية:
إن إحياء مجالس عاشوراء، والتعرف على سيرة الإمام الحسين(ع) وصحبه، والانطلاق من ركيزة الاستشهاد كتعبير عن الصدق والإخلاص للمبدأ، والاقتداء بنهج الرسول(ص) والأئمة(عليهم السلام) كل هذه الأمور ساهمت في تعبئة شباب المقاومة بحيوية شاملة وبنّاءة، فعشقوا الشهادة وأرادوا التعبير عن الانتماء بالتضحية العملية، ليكونوا جزءاً من كربلاء المعطاء المعاصرة.
ومنذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان، هبت ثلة من الشباب لقتال الصهاينة، والتزموا أمر الإمام الخميني(قده) في وجوب قتال إسرائيل لطردها، حيث أشار إلى عظمة المنزلة التي يحظى بها الشهيد عند الله عز وجل.
وقد أثمر هذا الالتزام بالنهج الحسيني مكاسب هامّة، كما كان لإتّباع أمر الإمام الخميني(قده) وخليفته الإمام الخامنئي(دهم ظله) كل الأثر في مقاومة الاحتلال وتحقيق النصر لتكون خطوة إضافية عظيمة تساهم في تثبيت وتعميم الخط الإسلامي المحمّدي الأصيل.
وكان لشعارات الثورة الحسينية دور كبير في دعم إيمان واعتقاد المقاومة الإسلامية والجهاد والتضحية في سبيل الله، منها قول الإمام الحسين(ع): "هيهات منّا الذّلة"(2)، وقوله (ع): "وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب(ع) فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد عليّ هذا أصبـر حتى يقضي الله بيني و بين القوم بالحق وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ"(3).
ويمكن القول إنه كما كانت الثورة الإسلامية المباركة في إيران امتداداً لنهضة الإمام الحسين(ع) في يوم عاشوراء وانتصار دمه على السيف، فإن المقاومة الإسلامية هي نبتة الإمام الخميني(قده) الذي ركّز على ثورة كربلاء كأساس لكل الإنجازات فهو القائل: "كل ما عندنا هو من عاشوراء"، ثم امتد تأثيرها إلى الانتفاضة الفلسطينية المباركة ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم.
معالم الجهاد في الإسلام:
إن مفهوم الجهاد في الإسلام واسع يشتمل على معاني كثيرة منها الجهاد بالمال والنفس، قال تعالى: {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالّذِينَ آوَواْ وّنَصَرُوَاْ أُوْلَـَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}(4).
وقال تعالى: {الّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}(5).
كما يشتمل على محاربة هوى النفس وشهواتها وهو أعلى مراتب الجهاد وإليه أشار رسول الله(ص) في قوله لسرية بعثها فرحب بها عند رجوعها قائلاً: "مرحباً بقوم ٍ قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبـر. قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبـر؟ قال: جهاد النفس"(6).
وقال رسول الله(ص): "أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه"(7).
ولكن هذا لا يعني أن ينعزل الإنسان عن تغيرات مجتمعه وما تتعرض له من اعتداءات بذريعة الانشغال بإصلاح النفس وتهذيبها، لأن محاربة هوى النفس هو دافع ومحرك للدفاع عن الدين والقيم والأخلاق، يقول تعالى:
{فَمَنِ اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىَ عَلَيْكُمْ وَاتّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللهَ مَعَ الْمُتّقِينَ}(8).
فالأصل الثابت الذي لا يتغير في الإسلام هو جهاد النفس، أما الحرب فهي وسيلة لحفظ الكيان والدفاع عن الكرامة لأن الحق يحتاج إلى قوة تحميه في مقابل العتاة والجبابرة، ولذلك قال رسول الله(ص): "إن الله عز وجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له. فقيل له: وما المؤمن الذي لا دين له؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر"(9).
وقد قسم الفقهاء الجهاد إلى قسمين: جهاد للدعوة إلى الإسلام، وهو ما سماه بعض الفقهاء بالجهاد الابتدائي(10)، والقسم الآخر، هو الجهاد الدفاعي(11)، وموضوعه عندما يتعرض الإسلام والمسلمون، في أي عصر، إلى الاعتداء من قبل الأعداء فعندئذ يجب على كل مسلم أن يهب للدفاع(12).
الجهاد الحقيقي والإنتصار الإلهي:
الجهاد الحقيقي هو الذي يستهدف الاحتلال بأنواعه ويسعى لإخراجه بشتى الوسائل المشروعة كما هو الحال في المقاومة الإسلامية في لبنان والمجاهدين في فلسطين المحتلة وغيرها من المناطق المحتلة، فهذا النوع من الجهاد والمقاومة هو المنتصر بوعد صادق من الله تعالى وقد رأينا بأم أعيينا انتصار الشعب الإيراني على النظام الشاهنشاهي العميل لأمريكا والاستكبار العالمي في ثورته الإسلامية المباركة في عام 1979م وبعد ذلك انتصاره على النظام الحاكم في العراق في الحرب المفروضة وأخيراً رأينا مقاومة الشعب الفلسطيني في انتفاضته الأولى والثانية وانتصار المقاومة اللبنانية عام 2000م على أعدائهما الأمريكان والصهاينة المجرمين.
وقد حققت المقاومة الإسلامية (حزب الله) نصراً عزيزاً آخر وهو انتصارها على العدو الصهيوني الذي استمر 33 يوماً واشتهر بحرب تموز 2006م وأيضاً اشتهر بإنتصار الوعد الصادق.
وعلينا ان نظهر البهجة بمناسبة هذا النصر الإلهي المؤزر الذي منحه الله سبحانه للمقاومة الإسلامية الباسلة في لبنان والذي يعتبر تمهيداً لتحرير القدس الشريف من أيدي الصهاينة وخلاص الشعب الفلسطيني المظلوم والأمة الإسلامية من هذه الغدة السرطانية في قلب العالم الإسلامي، إن شاء الله.
وما النصر إلا من عنده {وَلَيَنصُرَنّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ}(13).
-----------
(1) سورة محمد: الآية 7.
(2) الاحتجاج 2: 300.
(3) بحار الأنوار 44: 329.
(4) سورة الأنفال: الآية 72.
(5) سورة التوبة: الآية 20.
(6) الكافي: 5، 12.
(7) روضة الواعظين: 420.
(8) سورة البقرة: الآية 194.
(9) الكافي 5: 59.
(10) شرائع الإسلام 1: 123.
(11) المصدر السابق 1: 234.
(12) لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع يراجع الكتب الفقهية في هذا الباب.
(13) سورة الحج: الآية 40.