بسم الله الرحمن الرحيم
تاريخ شهادته عليه السلام:
قال الكليني: مضى عليه السلام في شوال من سنة ثمان وأربعين ومائة وله خمس وستون سنة. وقال الطبرسي: مضى عليه السلام في النصف من رجب، ويقال في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة. وقال صاحب جنات الخلود: كان وفاته يوم الأحد وفي قول آخر يوم الاثنين في 25 من شهر شوال. والمشهور أنه عليه السلام مضى في 25 شهر شوال سنة ثمان وأربعين ومائة.
مأساته عليه السلام وصعوبة وصول شيعته إليه في خلافة المنصور:
قال الراوندي: إن هارون بن خارجة قال: كان رجل من أصحابنا طلق امرأته ثلاثا، فسأل أصحابنا، فقالوا: ليس بشيء. فقالت امرأته: لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله عليه السلام، وكان بالحيرة إذ ذاك أيام أبي العباس. قال: فذهبت إلى الحيرة، ولم أقدر على كلامه، إذ منع الخليفة الناس من الدخول على أبي عبد الله عليه السلام، وأنا أنظر كيف ألتمس لقاءه، فإذا سوادي عليه جبة صوف يبيع خيارا، فقلت له: بكم خيارك هذا كله؟ قال: بدرهم، فأعطيته درهما، وقلت له: أعطني جبتك هذه، فأخذتها ولبستها وناديت: من يشترى خيارا؟ ودنوت منه، فإذا غلام من ناحية ينادى: ياصاحب الخيار. فقال عليه السلام لي - لما دنوت منه -: ما أجود ما احتلت! أي شيء حاجتك؟ قلت: إني ابتليت فطلقت أهلي ثلاثا في دفعة، فسألت أصحابنا فقالوا: ليس بشئ، وإن المرأة قالت: لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله عليه السلام. فقال: إرجع إلى أهلك فليس عليك شيء.
إحراق المنصور داره:
روى الكليني: عن بعض أصحابنا، عن ابن جمهور، عن أبيه، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القاسم، عن المفضل بن عمر قال: وجه أبو جعفر المنصور إلى الحسن بن زيد وهو وإليه على الحرمين أن أحرق على جعفر بن محمد داره، فألقى النار في دار أبي عبد الله فأخذت النار في الباب والدهليز، فخرج أبو عبد الله عليه السلام يتخطى النار ويمشى فيها ويقول: أنا ابن أعراق الثرى، أنا ابن إبراهيم خليل الله عليه السلام.
إخباره عن شهادته:
روى الإربلي: عن إسحاق بن جعفر بن محمد، عن أبيه جعفر بن محمد، حدث أبو الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم قال: كتب إلي عباد بن يعقوب يخبرني عن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: دخل جعفر بن محمد على أبي جعفر المنصور فتكلم، فلما خرج من عنده أرسل إلى جعفر بن محمد فرده، فلما رجع حرك شفتيه بشئ فقيل له: ما قلت؟ قال: قلت: اللهم إنك تكفى من كل شيء ولا يكفي منك شيء فاكفنيه. فقال له: ما يقرك - يبرك - عندي ؟ فقال له أبو عبد الله: قد بلغت أشياء لم يبلغها أحد من آبائي في الإسلام، وما أراني أصحبك إلا قليلا، ما أرى هذه السنة تتم لي. قال: فإن بقيت ؟ قال: ما أراني أبقى، قال: فقال أبو جعفر: احسبوا له، فحسبوا فمات في شوال. وقال الراوندي: إن محزمة الكندي قال: إن أبا الدوانيق نزل بالربذة، وجعفر الصادق عليه السلام بها، قال: من يعذرني من جعفر، والله لأقتلنه. فدعاه، فلما دخل عليه جعفر عليه السلام قال: يا أمير المؤمنين إرفق بي، فوالله لقلما أصحبك، فقال أبو الدوانيق: إنصرف، ثم قال لعيسى بن على: ألحقه فسله أبي؟ أم به؟ فخرج يشتد حتى لحقه، فقال: يا أبا عبد الله إن أمير المؤمنين يقول: أبك؟ أم به؟ قال: لا بل بي.
وروى الطبرسي: عن أحمد بن محمد، عن محمد بن فضيل، عن شهاب بن عبد ربه قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "كيف أنت إذا نعاني إليك محمد بن سليمان؟". قال: فلا والله ما عرفت محمد بن سليمان، ولا علمت من هو؟ قال: ثم كثر مالي وعرضت تجارتي بالكوفة والبصرة، فإني يوما بالبصرة عند محمد بن سليمان وهو والى البصرة إذ ألقى إلي كتابا وقال لي: يا شهاب، أعظم الله أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد، قال: فذكرت الكلام فخنقتني العبرة، فخرجت فأتيت منزلي وجعلت أبكى على أبي عبد الله عليه السلام.
وصيته لابنه موسى عليه السلام:
قال أبو نعيم الأصبهاني: حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم، حدثني أبو الحسين علي بن الحسن الكاتب، حدثني أبي، حدثني الهيثم، حدثني بعض أصحاب جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: دخلت على جعفر وموسى بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية، فكان مما حفظت منها أن قال: يا بني أقبل وصيتي واحفظ مقالتي فإنك إن حفظتها تعيش سعيدا، وتموت حميدا، يا بني من رضى بما قسم له استغنى، ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرا، ومن لم يرض بما قسمه الله له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه، يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها، ومن داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء أتهم، يا بني إياك إن تزرى بالرجال فيزرى بك، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك، يا بني قل الحق لك أو عليك تستشان من بين أقرانك، يا بني كن لكتاب الله تاليا وللإسلام فاشيا، وبالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا ولمن قطعك واصلا ولمن سكت عنك مبتدئا، ولمن سألك معطيا، وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال، وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة التعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف، يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه فإن للجود معادن، وللمعادن أصولا وللأصول فروعا، وللفروع ثمرا، ولا يطيب ثمر إلا بأصول، ولا أصل ثابت إلا بمعدن طيب، يا بني إن زرت فزر الأخيار ولا تزر الفجار، فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها، وأرض لا يظهر عشبها. قال علي بن موسى: فما ترك هذه الوصية إلى أن توفى.
كلامه عليه السلام عند الاحتضار:
روى البرقي: عن محمد بن علي وغيره عن ابن فضال، عن المثنى، عن أبي بصير قال: دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله عليه السلام فبكت وبكيت لبكائها ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عليه السلام عند الموت لرأيت عجبا، فتح عينيه، ثم قال: أجمعوا لي كل من بيني وبينه قرابة، قالت: فلم نترك أحدا إلا جمعناه. قالت: فنظر إليهم ثم قال: إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة.
وروى الطبرسي: أنه دخل بعض أصحاب أبي عبد الله عليه السلام في مرضه الذي توفى فيه إليه وقد ذبل فلم يبق إلا رأسه، فبكى فقال: لأي شيء تبكى؟ فقال كيف لا أبكى وأنا أراك على هذه الحال ؟ قال: لا تفعل فإن المؤمن تعرض عليه كل خير أن تقطع أعضاءه كان خيرا له، وإن ملك ما بين المشرق والمغرب كان خيرا له.
وروى الكليني: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل ابن صالح، عن هشام بن أحمر، وعلى بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد جمعيا، عن سالمة مولاة أبي عبد الله عليه السلام قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام حين حضرته الوفاة، فأغمي عليه فلما أفاق قال: أعطوا الحسن بن علي بن الحسين - وهو الأفطس - سبعين دينارا، وأعطوا فلانا كذا وكذا، وفلانا كذا وكذا فقلت: أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة ؟ فقال: ويحك أما تقرأين القرآن ؟ قلت: بلى. قال: أما سمعت قول الله عزوجل: والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب. قال ابن محبوب في حديثه: حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك. فقال: أتريدين على أن لا أكون من الذين قال الله تبارك وتعالى والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ؟ نعم يا سالمة إن الله خلق الجنة وطيبها وطيب ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة ألفي عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم.
شهادته عليه السلام:
قال ابن الصباغ المالكي: يقال إنه مات بالسم في أيام المنصور.
وروى ابن شهر آشوب عن أبي جعفر القمي: سمه المنصور، ودفن في البقيع.
وقال ابن حجر الهيثمي: توفى سنة أربع وثمانين ومائة مسموما أيضا على ما حكى، وقال الطبري الإمامي: سمه المنصور فقتله ومضى. وعن الكفعمي: وتوفى عليه السلام... مسموما في عنب.
موضع قبره وما كتب عليه:
قال الكليني: ودفن بالبقيع في القبر الذي دفن فيه أبوه، وجده، والحسن بن علي عليهم السلام. وقال ابن الصباغ المالكي: وقبره بالبقيع، دفن في القبر الذي فيه أبوه وجده وعم جده فلله دره من قبر ما أكرمه وأشرفه.
* موسوعة شهادة المعصومين عليهم السلام - بتصرف