قال السيد الأمين في الأعيان: هو ابو العلاء احمد بن عبد الله بن سليمان المعري التنوخي الشاعر المتفنن كان عربيّ النسب من قبيلة تنوخ بطن من قضاعة من بيت علم وقضاء ولد بمعرة النعمان سنة 363 وجدر في الثالثة من عمره وكف بصره وتعلم على أبيه وغيره من ائمة زمانه فكان يحفظ ما يسمعه من مرة واحدة، وقال الشعر وهو ابن احدى عشرة سنة، ونسك في آخر عمره ولم يبرح منزله وسمى نفسه رهين المحبسين: العمى والمنزل: وبقي مكبّاً على التدريس والتأليف ونظم الشعر مقتنعاً بالقليل من الدنانير يستغلها من عقار له مجتنباً أكل الحيوان وما يخرج منه مكتفياً بالنبات والفاكهة والدبس متعللا بأنه فقير وانه يرحم الحيوان، وعاش عزباً الى أن مات سنة 449 بالمعرة وأمر أن يكتب على قبره:
هذا جناه أبي عليَّ وما جنيتُ على أحد
ومن شعره
يـن عـلي ونـجله شاهدانِ | وعـلى الدهر من دماء الشهيد |
وفــي أولـيـاته شـفقان | فـهما فـي أواخر الليل فجران |
حـشر مـستعدياً الى الرحمن | ثـبتا فـي قـميصه ليجيء ال |
كــلُ جـدٍمنهم جـمال اوان | وجـمال الأوان عـقب جـدود |
ومـبيد الـجموع مـن غطفان | يا ابن مستعرض الصفوف ببدر |
راض فـي كل منطق والمعاني | أحـد الـخمسة الذين هم الاع |
قـبل خـلق المريخ والميزان | والـشخوص التي خُلقن ضياء |
مــر أفـلاكـهن بـالدوران | قـبل أن تخلق السماوات أو تؤ |
تـروى عن رأسه الشرطان | لـو تـاتى لنطحها حمل الشهب |
كـسير الـقناة قـبل الطعان | أو أراد الـسماك طـعناً لها عاد |
عـجر مـنها وخانها الأبرهان | أو رمتها قوس السماء لزال ال |
حـتفه صـائد مـن الـحدثان | أو عـصاها حوت النجوم سقاه |
حـتى سـموا على الحيوان | وبـهم فـضل المليك بني حواء |
اذا لـم يـزنّ بـالخرصان | شـرفوا بالشراف والسمر عيدا |
يشير ابو العلاء الى الحديث الشريف القائل بأن الله عز وجل خلق أنوار الخمسة: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الخلق.
وقوله كما أورد سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص
أرى الأيام تفعل كل نكرٍ فما أنا فـي العجائب مستزيد
أليس قريشكم قتلت حسيناً وكان علـى خلافتكـم يزيد1
أبو العلاء المعري2 التنوخي: أحمد بن عبد الله: ولد بمعرة النعمان سنة 363 وتوفي بها يوم الجمعة ثاني ربيع الأول سنة 449 عن 86 سنة. ولما مات أنشد على قبره أربعة وثمانون شاعراً مراثي من جملتها أبيات لعلي بن الهمام من قصيدة طويلة
إن كنت لم ترقِ الدماء زهادة ً فلقد أرقت اليوم من جفني دما
سـيّرتَ ذكراً في البلاد كأنه مسك مسامعها يضمّخُ أو فما
ونرى الحجيج اذا أرادوا ليلة ذكراك أوجب فدية مَن أحرما
ويقول أن ذكراك طيب والطيب لا يحل لمحرم فيجب عليه فدية، والحق ان ابا العلاء فلتة من فلتات الزمن ونابغة من نوابغ العالم. اختلف الناس فيه فمن قائل، هو مسلم موحّد، وبين مَن يرميه بالالحاد واذكر حديثاً للمرحوم المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغَطاء برهن فيه على ايمانه وتشيعه، وذكر صاحب نسخة السحر انه من شعراء الشيعة.
ومن شعره تتنسم عبير التشيع فاسمعه يقول في قصيدته:
فـقد ألـممت لـيتك لـم تـلّمي | أدنـياي اذهـبي وسـواي إمّـي |
تـؤهـله الـعـقول ولا لــذِمّ | وكـان الـدهر ظـرفاً لا لـحمدٍ |
بـبين الـحيّ في صحراء ذَمّ3 | وأحـسب سـانح الأزمـيم نادى |
فــــإن كـلـيـهما لأب وأمِّ | اذا بـكرُ جـنى فـتوّق عـمرا |
مـجيء النطح من رَوق وجُمّ4 | وخف حيوان هذي الأرض واحذر |
ولـيـس جـميعهنّ ذوات سُـمّ | وفـي كـل الـطباع طـباع نكز |
وصـيّـر قـوتها مـما تُـدّمي | ومـا ذنب الضراغم حين صيغت |
كـما جـبل الـوفود على التنمي | فـقد جُـبلت على فرس وضرس |
وقـولٌ ضـاع فـي آذان صُـمّ | ضـياء لـم يـبن لـعيون كـمهٍ |
ولا أضـحـى ولا بـغدير خُـم | لـعمرك مـا أسـرّ بـيوم فطر |
لأجــل تـنـسّبٍ بـبلاد قـمّ | وكــم أبــدى تـشيّعه غـويُّ |
ومن شعره
لقد عجبـوا لآل البيت لما أتاهم علمهم في جلدِ جفر
ومرآة المنجّم وهي صغرى تريه كل عـامرةٍ وقفـر
مؤلفاته
خلف مؤلفات في الشعر وفي الادب- أما اشعاره فاشهرها:
1- اللزوميات: وهو ديوان كبير طبع في بمباي سنة 1303 هـ. ثم في مصر سنة 1895 في نحو 900 صفحة.
2- سقط الزند: وهو ديوان آخر نظمه قبل العزلة. طبع مراراً.
3- ضوء السقط: يقتصر على ما نظمه في الدرع طبع في بيروت سنة 1894.
5- رسالة الغفران: هي جملة رسائله
6- ملقى السبيل: هي رسالة فلسفية نشرتها مجلة المقتبس
7- كتاب الايك والغصون ويعرف باسم الهمزة
فمن شعره في الزهد
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهةً وَحُقّ لسُكّان البسيطة أن يبكوا
يحطّمُنا صرف الزمـان كأنـنا زُجاجٌ ولكن لا يُـعاد لَنا سَبك
ومن شعره في الزهد
فـلا تشرّف5 بدنيا عنك معرضةً فـما الـتشرّف بـالدنيا هو الشرف
واصرف فؤادك عنها مثلما انصرفت فـكلنا عـن مغانيها6 سينصرف
يـا أم 7 دفـرٍ لـحاكِ الله والـدةً فـيك الخناء وفيكِ البؤس والسرف
لـو أنّك العُرس أوقعتُ الطلاق بها لـكنك الأمّ مـالي عـنكِ مُنصرف
وكتب الحموي في معجم الادباء ترجمة وافية لابي العلاء وأورد طائفة كبيرة من اشعاره وذكر جملة من مؤلفاته قال: ومنها كتاب بعض فضائل امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ثم أورد جملة من رسائله وفي سوء اعتقاده وقال: فمنها قوله
تناقضُ ما لنـا إلا السـكوت له وان نعـوذ بمـولانـا من النار
يدٌ بخمس مئين عسجد8 فُديت ما بالُها قُطعت في ربع دينار9
أقول وهناك من رد عليه وابان له الحكمة فقال
عزُ الأمانة اغلاها وارخصها ذُل الخيانة فافهم حكمة الباري.
وقال آخر: لما كانت امنية ثمينة ولما خانت هانت.
إن كنت لم ترقِ الدماء زهادة ً فلقد أرقت اليوم من جفني دما
سـيّرتَ ذكراً في البلاد كأنه مسك مسامعها يضمّخُ أو فما
ونرى الحجيج اذا أرادوا ليلة ذكراك أوجب فدية مَن أحرما
* ادب الطف- الجزء الثاني299_ 315 (بتصرف)
1- جاء في الحديث الشريف: لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتى يكون أول مَن يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد.
رواه ابن حجر في مجمع الزوائد ج 5 ص 241 عن مسند أبي يعلى والبزاز وفي الصواعق المحرقة ص 132 عن مسند الروياني عن أبي الدرداء عنه صلى الله عليه وآله وسلم: أول مَن يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد.
2- المعري: نسبة الى معرة النعمان من بلاد الشام.
3- ازميم: ليلة من ليالي المحاق. والهلا اذا دق في آخر الشهر واستقوس، ذم: الهلاك.
4- الروق: القرن، جم جمع الاجم: الكبش لا قرن له.
5- اصلها تتشرف فحذف أحد التائين تخفيفا.
6- جمع مغنى وهو المحل المأهول بأهله.
7- كنية الدنيا.
8- العسجد: الذهب، مقدار دية اليد على من اتلفها.
9- استفهام انكاري متضمن معنى التعجب.