هو أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي في الرعيل الأول من ناشري لغة الضاد دل على ذلك شعره العالي وأدبه الجزل وديوانه الفخم وكما كان عربياً في أدبه فهو علويُ في مذهبه مسلم في دينه يعتز ويفتخر باسلامه ويتمدح بآبائه الا كاسرة ملوك الشرق وجمع بين فصاحة العرب ومعاني العجم. أسلم على يد السيد الشريف الرضي سنة 394 وتخرج عليه في الأدب والشعر وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادي الثانية سنة 428 وجاهد بلسانه عن أهل البيت ومدح عليا وعدد مناقبه بشعر بديع ودافع عن حقوقه في الخلافة دفاعاً حاراً مؤثرا.
قال بعض العلماء: خيار مهيار خير من خيار الرضي وليس للرضي رديّ أصلا. قال ابن خلكان: كان جزل القول مقدماً على أهل وقته وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه وذكره ابو الحسن الباخرزي في دمية القصر فقال: هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر وكاتب تجلى كل كلمه من كلماته كاعب وما في قصيدة من قصائده بيت يتحكم عليه يلو وليت فهي مصبوبة بقوالب القلوب وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب ويتوب، وللسيد جمال الدين أحمد بن طاوس قدس سره شرح على لامية مهيار أسماه (كتاب الازهار في شرح لامية مهيار).
من أشهر الشعراء الذين برزوا في النصف الاخير من القرن الرابع والنصف الاول من القرن الخامس الهجري ولعله كان أشهرهم على الاطلاق بعد استاذه الشريف الرضي، اشتهر بالكتابة والادب والفلسفة كما اشتهر بالشعر، كان ثائر النفس عالي الهمة قوي الشخصية معتزاً بأدبه ونسبه وهذا الذي دفعه لأن يقول:
أُعـجبت بي بين نادى قومها
سـرّها مـا علمت من خلقي
لا تـخالي نـسباً يـخفضني
قومي استولوا على الدهر فتى
عـمموا بـالشمس هـاماتهم
وأبـي كـسرى على أيوانه
سـورة الملك القدامى وعلى
قد قبستُ المجد من خير أبٍ
وضـممتُ الفخر من أطرافه
|
أمّ سـعد فـمضت تسألُ بي
فـارادت عـلمها مـا حسبي
انـا من يرضيك عند النسب
ومـشوا فـوق رؤس الحقب
وبـنـوا أبـياتهم بـالشهب
أيـن في الناس ابٌ مثل أبي
شـرف الاسـلام لي والادب
وقـبست الدين من خير نبي
سـودد الفرس ودينَ العرب
|
فهو كما نراه يعتز بنسبه كما يعتز بدينه وعقيدته وأي انسان لا يعتز بقوميته ولا يفخر بنسبه، اما ان المهيار يوصم بالشعوبية لانه فخر بآبائه فذلك فما لا يقرّه الوجدان. لقد سئل الامام زين العابدين علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن العصبية فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شراراً قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم، انك لتقرأ في شعر مهيار من الاعتزاز بالاسلام اكثر من اعتزازه بابائه فأسمه يقول في قصيدته بعد أن أنعم الله عليه بنعمة الاسلام ثم يعيب على قومه حيث لم يهتدوا الى رشدهم ويرجعوا عن سفههم ويعيب عبادة النار.
دواعـي الهوى لك أن لا تجيبا
قَـفَونا غـرورك حتى انجلت
نـصبنا لـهم أو بـلغنا بـها
وهـبنا الـزمان لـها مـقبلا
فـقـل لـمخوّفنا أن يـحول
وددنـــا لـعـفّـتنا أنـنـا
وبـلّغ اخا صحبتي عن اخيك
تـبـدلتُ مـن نـاركم ربّـها
حـبستُ عـناني مـستبصراً
نصحتكم لو وجدتُ المصيخ
أفـيئوا فـقد وعـد الله فـي
وإلا هـلـمـوا أبـاهـيـكم
أمـثـل مـحمد الـمصطفى
بـعدلٍ مـكانَ يـكون القسيم
أبـان لـنا الله نـهج الـسبيل
لـئن كـنتُ منكم فان الهجين
|
هـجرنا تُـقى ما وصلنا ذنوبا
أمـورٌ أريـنَ الـعيون العيوبا
نُـهىً لـم تدع لك فينا نصيبا
وغـصن الـشبيبة غضاً قشيبا
صِـباً هَـرماً وشـباب مشيبا
وُلـدنا اذا كُـره الـشيب شيبا
عـشـيرته نـائياً أو قـريبا
وخـبثِ مـواقدها الخلدَ طيبا
بـأيّـة يـسـتبقون الـذنوبا
ونـاديتكم لـو دعوتُ المجيبا
ضـلالـة مـثلكم أن يـتوبا
فـمن قام والفخر، قام المصيبا
اذا الـحـكمُ ولّـيتموه لـبيبا
وفـصلٍ مـكان يكون الخطيبا
بـبـعثته وأرانــا الـغيوبا
يُـخرج فـي الـفلتات النجيبا
|
وقال يرثي أهل البيت عليهم السلام ويذكر بيان البركة بولائهم فيما صار اليه
فـي الـظِباء الغادين أمس غزالُ
طـارق يـزعم الـفراقَ عـتابا
لـم يـزل يـخدع البصيرة حتى
لا عـدمتُ الأحـلامَ كـم نوّلتني
لـم تـنغّص وعداً بمطل ولو يو
فـلليلي الطويل شكري ودينُ ال
لـمن الـظُّعُن غاصبتنا جمالا ؟
كـانـفاتٍ بـيـضاءَ دلّ عـليها
جـمع الـشوق بـالخليع فـأهلاً
كـنتُ مـنه أيـامَ مـرتعُ لـذّا
حيث ضلعي مع الشباب وسمعي
يــا نـديميّ كـنتما فـافترقنا
ليَ في الشيب صارف ومن الحز
مـعشر الـرشد والهدى حَكَم البغ
ودعــاة الله اسـتجابت رجـالُ
حـملوها يـوم "الـسقيفة" أوزا
ثـم جـاؤا مـن بـعدها يستقيلو
يـا لـها سـوءة إذا "أحـمد" قا
ربـع هـميّ عـليهم طـلَلٌ بـا
يـا لـقومٍ إذ يـقتلون "عـلياً"
وتـحـالُ الأخـبار والله يـدري
ولـسـبطين تـابـعَيه فـمسمو
درسـوا قـبره لـيخفى عن الز
وشـهيدٍ "بـالطف" أبكى السموا
يـا غـليلي لـه وقـد حُرّم الما
قـطعت وصـلة "النبي" بأن تق
لـم تـنجّ الـكهولَ سنّ ولا الش
لـهفَ نفسي يا آل "طه" عليكم
وقـلـيل لـكم ضـلوعي تـهت
تـفـرّغوا يـعـترقون1 غـيبةً
عـدلتُ أن تـرضى بأن يسخط مَن
ولــو يـشقّ الـبحر ثـم يـلتقي
عـلاقـة بــي لـكـم سـابـقة
ضـاربـة فــي حـبكم عـروقها
تـضمني مـن طـرفي فـي حبلكم
فـضـلت آبـائـي الـملوك بـكم
لــذاكـم أرسـلـهـا نــوافـذاً
يـمرقن زُرقـاً مـن يـهدي حدائدا
صـوائـبا إمــا رمـيت عـنكم
|
قـال عـنه مـا لا يقول الخيال
ويـريـنـا أن الــمـلالَ دلالُ
سـرّنا مـا يـقول هـو مـحالُ
مـن مـنيعٍ صـعبٍ عليه النوال
جـب لـه مِـنّةً عـليّ الوصال
عـشق أن تُـكره الليالي الطوال
حـبذا مـا مـشت به الأجمالُ !
أنـهـا الـشمس أنـها لا تـنالُ
بـحـليمٍ لــه الـسـلوّ عـقال
تـي خـصيبٌ وماء عيشي زلال
غَــرضٌ لا تـصـيبه الـعُذّال
فـاسلواني، لـكل شـيء زوال
ن عـلـى "آل أحـمد" إشـغال
ي عـلـيهم سـفاهةً والـضلال
لـهـم ثــم بُـدّلوا فـاستحالوا
را تـخفّ الـجبال وهـي ثقال
ن وهـيـهات عـثرةٌ لا تُـقال
م غــداً بـينهم فـقال وقـالوا
ق وتـبـلى الـهموم والأطـلال
وهــو لـلـمحل فـيهم قـتّال
كـيف كانت يوم "الغدير" الحال
مٌ عـليه ثـرى "الـبقيع" يُهال
وّارِ هيهات ! كيف يخفى الهلال !
تِ وكـادت لـه تـزول الجبال
ء عـليه وهـو الشراب الحلال
طـع مـن آل بـيته الأوصـال
بـان زهـد ولا نـجا الأطـفال
لـهـفةً كـسبها جـوىً وخَـبال
زّ مـع الـوجد أو دمـوعي تذال
لـحمي وفـي مدحك عنهم لي شغل
تـقـلّه الارضُ عـلـيّ فـاعتدل
فـلقاه فـوقي فـي هـواك لم أبَل
لـمجد "سـلمان" الـيكم تـتصل
ضرب فحول الشول في النوق البزل
مــودّةٌ شـاخـت وديـنٌ مـقتبل
فـضيلة الاسـلام أسـلافَ الـملل
لأمّ مَـــن لا يـتـقيهن الـهـبل
تـنحى أعـاديكم بـها وتـنتبل2
وربـما أخـطأ رامٍ من "ثعل"3
|
قال يرثي الحسين عليه السلام في شهر المحرم سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة
مَـشين لـنا بـين مـيلٍ وهيفِ
عـلى كـل غـصنٍ ثـمارُ الشبا
ومـن عـجب الـحسنِ أن الثقي
خـليليّ مـا خُـبر مـا تـبصرا
سـلانـي بـه فـالجمال اسـمه
أمـن "عـربية" تـحت الظلام
سـرى عـينها أو شـبيهاً فـكا
نـعم ودعـا ذكـرَ عـهدِ الصبا
"بـآل عـليّ" صـروف الزمان
مـصابي عـلى بُـعد داري بهم
ولـيس صـديقي غـيرَ الحزين
هـو الـغصن كـان كميناً فهبّ
قـتيلٌ بـه ثـار غـلّ الـنفوس
بـكـل يـدٍ أمـس قـد بـايعته
نـسوا جـدّه عـند عـهد قريبٍ
فـطـاروا لـه حـاملين الـنفاق
يـعـزّ عـليّ ارتـقاء الـمنون
ووجـهك ذاك الأعـزّ الـتريب
عـلى ألـعن امـره قـد سـعى
وويـل امّ مـأمورهم لـو أطاع
وأنــت وإن دافـعـوك الإمـام
لـمن آيـةُ الـباب يـومَ اليهود
ومَـن جمع الدينَ في يوم "بدرٍ"
وهــدّم فــي الله أصـنـامهم
أغـيـر أبـيـك إمـام الـهدى
تـفـلّل سـيفٌ بـه ضـرّجوك
أمــرّ بـفـيّ عـليك الـزلال
أتـحـملُ فـقـدَك ذاك الـعظيم
ولـهـفي عـليك مـقالُ الـخبي
أنـشـرك مـا حـملَ الـزائرو
كـان ضـريحك زهـر الـربي
أحـبّـكم مــا سـعى طـائفٌ
وإن كـنت مـن"فارس"فالشري
ركـبـت عـلى مـن يـعاديكم
سـوابق مـن مـدحكم لـم أهَب
تُـقَـطّر غـيـرى أصـلابـها
|
فـقل في قناةٍ وقل في نزيف
بِ مـن مـجتنيه دواني القطوفِ
ل مـنه يُـدلّ بـحمل الـخفيف
ن بـيـن خـلاخيلها والـشنوف
ومـعـناه مـفـسدةً لـلـعفيف
تـولّجُ ذاك الـخيالِ الـمطيف ؟
د يـفضح نـومي بين الضيوف
سـيلقاه قـلبي بـعهدٍ ضـعيف
بـسطنَ لـساني لـذمّ الصروف
مـصابُ الألـيف بـفقد الأليف
لـيوم "الحسين" وغير الأسوف
لـدى "كـربلاء" بريح عصوفِ
كـما نـغر الـجرح حكّ القروف
وسـاقت لـه اليوم أيدي الحتوف
وتـالَـده مــع حـقّ طـريف
بـأجنحة غِـشّها فـي الـحفيف
الـى جـبلٍ مـنك عـال منيف
يُـشهّر وهـو على الشمس موفي
بــذاك الـذميل وذاك الـوجيفِ
لـقـد بــاع جـنّته بـالطفيفِ
وكـان أبـوك بـرغم الأنـوف
ومَـن صاحبُ الجنّ يوم الخسيف
"وأحـدٍ" بـتفريق تلك الصفوف
بـمرأى عـيونٍ عـليها عكوف
ضـياء الـنديّ هـزبر العزيف
لـسوّدَ خـزياً وجـوهَ الـسيوف
وآلــم جـلدي وقـع الـشفوف
جـوارح جسمي هذا الضعيف ؟
ر : أنـك تـبردُ حـرّ اللهيـف
ن أم المسكُ خالط تُرب الطفوف ؟
ع هـبّت عـليه نـسيمُ الخريف
وحـنّت مـطّوقة فـي الـهتوف
فُ مـعـتـلقٌ ودّه بـالـشريف
ويـفـسد تـفـضيلكم بـالوقوف
صُـعوبة ريّـضها والقَطوف4
وتـزلّـق أكـفالها بـالرديف5
|
* ادب الطف ـ الجزء الثاني 235
1- يعترقون: ينزعون ما على العظم من لحم.
2- تنتبل ترمى بالنبل.
3- ثعل: اسم قبيلة مشهورة بالرمي.
4- الطوف: الدابة التي تسيء السير وتبطئ.
5- تقطر: تلقي الانسان على قطره وهو كاثبته وعجزه، والكاثبة: اعلى الظهر.