الشيخ ابراهيم بن الشيخ يحي بن الشيخ محمد بن العاملي الطيبي
قال السيد الأمين في الأعيان : ولد سنة 1154 بقرية الطيبة من جبل عامل ـ لبنان ـ وتوفي سنة (1214) بدمشق عن 60 عاماً ودفن بمقبرة باب الصغير شرقي المشهد المنسوب إلى السيدة سكينة وكان له قبر مبني وعليه لوح فيه تاريخ وفاته رأيته وقرأته فهدم في زماننا.
كان عالما فاضلاً أديباً شاعراً مطبوعاً، نظم فأكثر حتى اشتهر بالشعر 1.
وكانت له اليد الطولى في التخميس فقد ولع به فخمس جملة من القصائد المشهورة كالبردة، ورائية أبي فراس الحمداني في الفخر وميميته في مدح أهل البيت ولا ميته المرفوعة التي قالها في الأسر، وعينية ابن زريق البغدادي، وكافية السيد الرضى المكسورة وزاد عليها مخمساً وجعلها في مدح النبي، ورائية ابن منيرالمعروفة بالتترية، بل قيل انه اكثر المشهور من غرر الشريف الرضي، وإنه خمس ديوان الأمير أبي فراس برمته.
سافر إلى العراق فأقام به مدة، قرأ في أثنائها على السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي والشيخ جعفر النجفي صاحب كشف الغطاء، ثم سافر لزيارة الرضا عليه السلام ثم عاد إلى دمشق وتوطنها إلى أن مات.
له أرجوزة في التوحيد وجدتها بخطه وجمعت شعره في ديوان كبير يقارب سبعة آلاف وخمسمائة بيت بعد تفتيش وتنقيب كثير ورتبته على حروف المعجم انتهى. أقول: ونشر كثيراً منه في الأعيان من مدائحه في الرسول الأعظم والامام أمير المؤمنين والأئمة من أهل البيت عليهم السلام. وترجم له صاحب (الحصون) ج9 ص 181 والشيخ السماوي في (الطليعة) والأستاذ علي الخاقاني في (شعراء الغرى) ج 1 ص 1.
وقال يرثي الامام الحسين الشهيد سيد شباب أهل الجنة
أيـها الـعاشق مـا هذا القلى | أنـت في الشام وهم في كربلا |
تـدعي الـحب وتختار النوى | مـا كـذا تفعل أصحاب الولا |
قـعد الـجسم بـرغمي عنهم | والـحشا يـجتاب أجواز الفلا |
حـبذا الـحي الـتهامي الذي | نـزل الـيوم على حكم البلا |
مـلأ الأحـشاء حزناً إذ هوى | بـدره المقتول ظلماً في الملا |
أي غـيث مـن بـني فاطمة | فـقدت مـنه الصوادي منهلا |
أي لـيث مـن بـني فاطمة | صـادفت مـنه العوالي مقتلاً |
أي مـولى مـن بـني فاطمة | قـتـل الإسـلام لـما قـتلا |
أي بـدر مـلأ الـدنيا سـناً | وجـلا كـل ظـلام وانـجلى |
أي عــذر لـعيون فـقدت | مـنه نـور النور أن لا تهملا |
كـف لا تجري دموعي للذي | رزؤه أبـكى الـنبي المرسلا |
أين أنت ا ليوم يا حامي الحمى | ومـزيل الـخطب لـما نزلا |
رب ذي عـيش مـرير طعمه | عـذب الـموت لـديه وحلا |
إن حـزنـي كـلـما بـردته | بـشـآبيب الـدموع اشـتعلا |
أبـعد الله نـوى الـقلب الذي | كـلما طـال بـه الـعهد سلا |
أتــرى أي أنـاس غـيركم | ودهـم أجـر كـتاب فـصلاً |
أتــرى أي أنـاس غـيركم | بـرز الـهادي بـهم مـبتهلا |
أبـقوم غـيركم قـد أنـزلت | آيـة الـتطهير فـيما أنـزلا |
أبـقوم غـيركم يـا هل ترى | كـمل الـدين الـذي قد كملا |
لـيت شعري أعلى المرتضى | أم سـواه مـنكب الهادي علا |
أتـرى مـن نـصر الله بـه | حـين فر الجمع طه المرسلا |
أترى من كان صنو المصطفى | حـيدر أم غـيره فـيما خلا |
مـن عنى القائل جهراً لا فتى | غـير مـولانا علي ذي العلا |
يـا قـتيل الـغاضريات الذي | قـتـل الـدين لـه إذ قـتلا |
وجـد الـمحتاج بـحراً طامياً | يـقذف الـدر فـعاف الوشلا |
وقال أيضاً
بـنفسي أقـمار تـهاوت بـكربلا | ولـيس لـها إلا الـقلوب لـحود |
بنفسي سليل المصطفى وابن صنوه | يـذود عـن الاطـفال وهو فريد |
أذاب فـؤادي رزؤهـم ومصابهم | وعـهدي بـه فـي النائبات جليد |
فـقل لابـن سـعد أتعس الله جده | أحـظك مـن يـعد الحسين يزيد |
نـسجت سـرابيل الـضلال بقتله | ومـزقت ثـوب الدين وهو جديد |
وقال أيضا
لـله أي مـصاب هـد أركاني | وحادث عن جميل الصبر ينهاني |
عـز الـعزاء فلا صبر ولا جلد | فـكيف تطمع من مثلي بسلوان |
ومـا بـكيت لأن الحي من يمن | سـار الـغداة بخلاني وخلاني |
ولا تـلهفت لـما بـان مرتحلا | من حاجر بغصون الرند والبان |
ولا نـزعت إلـى سلمى بذي سلم | ولا عـشوت إلـى نـمى بنعمان |
لـكن تـذكرت يوم الطف فانهملت | دمـوع عـيني وشبت نار أحزاني |
هو الحسين الذي لولاه ما وضحت | مـعالم الـدين لـلقاصي ولـلداني |
نـفسي الـفداء لمولى سار مرتحلا | مـن الـحجاز إلـى أكناف كوفان |
طـارت له من بني كوفان مسرعة | صـحائف الغدر من مثنى ووحدان |
فـسار يطوي الفلا حتى أناخ | بهم بـفـتية كـنجوم الـليل غـران |
وقـام فـيهم خـطيباً مـنذراً لهم | وهـو الـملي بـإيضاح وتـبيان |
حـفت بـه خـير أنصار له بذلت | مـنها الـفداء بـأرواح وأبـدان |
حتى قضوا بالمواضي دونه | عطشا وكـل حـي وان طال المدى فإني |
طـوبى لـهم فـلقد نالوا بصبرهم | خـيراً وراحوا إلى روح وريحان |
ومـا نـسيبت فـلا أنساه منفردا | بـين الـعدى دون أنصار وأعوان |
يسطو على جمعهم بالسيف منصلتا | كـالليث شد على سرب من الضان |
ضرب يذكرنا ضرب الوصي | وعن مـنابت الأصل ينبي نبت أغصان |
مـصيبة أبـلت الـدنيا وسـاكنها | وهـي الـجديدة مـا كر الجديدان |
وكيف ينسى امرؤ رزءاً به ف | جعت كـريمة الـمصطفى من آل عدنان |
انـفقت فيك لجين الدمع فانبجست | عـيني عـليك بـياقوت ومرجان |
أمسي وأصبح والأحزان تنضحني | مـن عـبرتي بـدموع ذات ألوان |
حـتى أرى منكم البدر المطل على | أهـل البسيطة من قاص ومن داني |
مـنى مـن الـمنعم المنان أرقبها | والـمن مـرتقب مـن عـند منان |
وكـم له من يد عندي نصرت بها | عـلى الـزمان وقد نادى بحرماني |
أحـببتكم حـب سـلمان ولي أمل | أن تـجعلوني لـديكم مـثل سلمان |
صـلى الإلـه على أرواحكم وحدا | إلـيكم كـل احـسان ورضـوان |
وقال أيضاً
أرابـها نـفثة مـن صـدر مصدور | وهـجرة لـلجفا مـن غير مهجور |
أوفـت عـلي وقـالت وهي مجهشة | مـا بـال صـفوك ممزوجاً بتكدير |
لا تـضـجرن لآمــال أوابـدهـا | نـدت فـما زلـن فـي قيد المقادير |
فـقلت هـيهات مـثلي غير منتجع | برق المنى وهو مزرور على الزور |
خـطب أحـم لـو الـتاث النهار به | لــم يـنفجر فـجره إلا بـديجور |
حـوادث يـنزوي قلب الحزين بها | إلـى وطـيس بـنارالوجد مسجور |
قـتـلاً واسـراً وتـشريداً كـأنهم | عـشيرة الـمصطفى في يوم عاشور |
غـداة جـب سـنام المجد من مضر | وهـاشـم بـالـعوالي والـمـباتير |
هـو الـحسين الذي لولاه ما نظرت | عـين إلـى عـلم لـلمجد مـنشور |
غـضنفر سـن لـلحامين حـوزتهم | بـذل الـنفوس وإلـغاء الـمحاذير |
سـيم الـهوان فطاب الموت في فمه | وتـلـك شـنشنة الأسـد الـمغاوير |
وحـوله مـن بني الزهراء كل فتى | يـغشى الـوغى بجنان غير مذعور |
بـيض الوجوه إذا ما أسفروا خلعوا | عـلى الـظلام جـلابيباً مـن النور |
بـيض الوجوه إذا ما أسفروا خلعوا | عـلى الـظلام جـلابيباً مـن النور |
وقــد أظـلهم جـيش يـسير بـه | بـاغ يـرى العدل ذنباً غير مغفور |
يمضون أمر ابن هند في ابن فاطمة | تـبت يـدا آمـر مـنهم ومـأمور |
فـصادفوا مـنه في غاب القنا أسدا | يـسري ومن حوله الأشبال كالسور |
مـن كـل مـعتصم بـالحق ملتزم | بـالـصدق مـتسم بـخير مـذكور |
مـا أنس لا أنس مسراهم غداة | غدوا إلـى الـكريهة فـي جـد وتشمير |
ثـاروا وقد ثوب الداعي كما حملت | أسـد الـعرين عـلى سرب اليعافير |
فـلا تـعاين مـنهم غـير مـندفع | كـالسيل يـخبط مـثبوراً بـمثبور |
كـل يـرى العز كل العز مصرعه | بـالسيف كـي لا يعاني ذل مأسور |
وحين جاء الردى يبغي القرى سقطوا | عـلى الـثرى بين مذبوح ومنحور |
طـوبى لـهم فـلقد نـالوا بصبرهم | أجـراً وأي صـبور غـير مأجور |
كـريهة شـكر الـباري مـساعيهم | فـيها ويـا رب سـعي غير مشكور |
مـبـرئين مــن الآثـام طـهرهم | دم الـشـهادة مـنـها أي تـطهير |
ولـو شـهدت غـداة الطف مشهدهم | بـذلت نـفسي وهـذا جل مقدوري |
ولـست أدري أسـوء الحظ أقعدني | عـن ذلك اليوم أم عجزي وتقصيري |
ويـنثني عن حياض الموت نحو | خباً عـلى بـنات رسـول الله مـزرور |
ولـم يـزل بـاذلا فـي الله مهجته | يـجر نـحو الـمنايا ذيـل محبور |
حـتى تـجلى عـليه الحق من كثب | فـخر كـالنجم يحكي صاحب الطور |
قـضى فـللدين شـمل غير مجتمع | ولـلـمكارم ربـع غـير مـعمور |
فـأبـعد الله عـيـناً غـير بـاكية | لـرزئـه وفـؤاداً غـير مـفطور |
يـا لـلرجال لـجرح غـير مندمل | عـمر الـزمان وكـسر غير مجبور |
فـهل تـطيب حـياة وابـن فاطمة | فـوق الـتراب طـريحاً غير مقبور |
وفـي الـشآم يـزيد فـي بـلهنية | مـرفـه بـيـن مـزمار وطـنبور |
ومـا نـسيت فـلا أنـساه مـنجدلا | تـرضه الـقوم بـالجرد المحاضير |
والـفاطميات فـوضى يرتمين | على أشـلائـه بـعد تـضميخ وتـعفير |
يلهجن بالمرتضى يا خير من | رقصت بـه الـنجائب تحت السرج والكور |
عـطفاً على حرم التقوى فقد | فجعت بـصارم مـن سـيوف الله مشهور |
جـدعت أنـف قريش بالحسام | ومذ مـضـيب دبـت الـينا بـالفواقير |
يـا لـلكريم الـذي أمـست كرائمه | مـسـبية بـعد احـصان وتـخدير |
فـخيم الـضيم فـينا حـين فـارقنا | وأدرك الـوتر مـنا كـل مـوتور |
يـا لـيت عـين رسول الله ناظرة | ايـتـامه بـين مـقهور ومـنهور |
لا كـان يومك يا ابن المرتضى | فلقد قـضى عـلينا بـرق بـعد تحرير |
إذا تـذكرته خـر الـحشى صـعقا | كـأنما كـان يـوم النفخ في الصور |
وهـاكم يـا بـني الـزهراء مرثية | كـالروض يـبكي بإحداق الأزاهير |
وكـيف أشـقى وأهل الكهف كلبهم | تـاج ولـست لـديكم دون قـطمير |
عـلـيكم صـلوات الله مـا لـعبت | أيـدي الـسرى بقداح الخيل والعير |
وقال يمدح الامام الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة، وقد التزم الشاعر فيها الجناس بين كل بيتين في القافية
يـا نـزولا بين جمع والمصلى | قـتل مثلي في هواكم كيف حلا |
عـقـد الـصـب بـكم آمـاله لـيت | شعري من لذاك العقد حلا |
قـال لـي العاذل أضناك الهوى | فـانتجع غـير هوهم قلت كلا |
فـانثنى عـني ومـا زال المنى | من فتى أمسى على الأحباب كلا |
أيـها الـبارق سـلهم عن دمي | إن تـوسطت حماهم كيف طلا |
واسـق جيران اللوى والمنحنى | وابـلا تـحيا به الأرض وطلا |
لا تـرم مـني سـلواً بـعدهم | نـأيهم والهجر سل الصبر سلا |
مـا عـلى طـفهم لـو زارني | وأمـاط الحزن عن قلبي وسلى |
لـي قـلب سـبق الـناس إلى | حـبهم واعـتاقه الـسقم فصلى |
عـجباً كـيف استباحوا مهجتي | وهي مغنى خير من صام وصلى |
حـسن الأخلاق سبط المصطفى | مفزع الناس إذا ما الخطب جلا |
طـالما أذهـب عـن ذي فـاقة | بـنـداه ظـلمة الـفقر وجـلى |
مـاجد تسري المعالي إن سرى | وتـنادي بـحلول حـيث حـلا |
رفــع الله بـه قـدر الـعلى وبـه | جـيد الهدى والدين حلى |
أي راع لا يـراعـي أحــداً غـير | مـن يرعى لدين الله الا |
حـجـة الله الامـام الـمجتبى | ذو الأيـادي خـير خلق الله إلا |
خـيـر حـبل مـده الله لـمن | صــده الـشيطان عـنه وأزلا |
نـشر الـعدل فـكم مـن ظبية | تـمتطي فـي مـهمه ذئبا أزلا |
ذو بـنـان كـشـآبيب الـحيا | أنـهل الـحران مـنهن وعـلا |
خـفض الـبخل ومـن دان به | وبـناء الـجود والإحسان على |
رفـعـته قــدرة الله الــى | مــا تـمنى فـدنا ثـم تـدلى |
دوحــة الـعلم الإلـهي الـتي | فـرعها فـي جـنة الخلد تدلى |
سـيدي يـا حـجة الله الـذي | لأمـور الإنـس والـجن تولى |
فــاز والله ومـا خـاب فـتى | بـكـم يـا خـيرة الله تـولى |
حـبكم شـغل فـؤادي في الملا | ونـجي الـقلب مـني ان تخلى |
مـفزعي أنـتم إذا مـا مفزعي | صـد عـني يوم حشري وتخلى |
ألـحـق الله بـكـم أشـياعكم | وأعـاديكم جـحيم الـنار صلى |
وسـقى صـوب الحيا أجداثكم | وعـلـيكم سـلـم الله وصـلى |
وزار مشهد السيدة زينب الكبرى بدمشق الشام ـ قرية راوية ـ فكتب على حائط المشهد
مـقام لـعمر الله ضـم كريمة | زكا الفرع منها في البرية والاصل |
لها المصطفى جـد وحيدرة | أب وفـاطــمة أم وفــاروقهم بعل |
وقال يمدحها في قصيدة نقتطع منها
يـا دوحة بسقت في المنبت الزاكي | حـيا الـحيا ربعك السامي وحياك |
حاكيت شمس الضحى والبدر مكتملا | أبـاً وأمـاً وكـان الفضل للحاكي |
أبــوك حـيـدرة والأم فـاطـمة | والـجد أحـمد والـسبطان صنواك |
فـخر لـعمر الـعلى مـا ناله أحد | إلاك يــا بـضعة الـزهراء إلاك |
لـك الـمقام الـذي ما زال مشتملا | عـلـى مـلائـكة غـر وامـلاك |
يـقـبلون ضـريحاً ضـم نـاسكة | تـرعرعت بـين زهـاد ونـساك |
يـبكون مـن خـيفة والثغر مبتسم | مـن الـمسرة يـا للضاحك الباكي |
ويـصدرون وفـي أيـديهم سـبب | مـن الـمحامد مـوصول بذكراك |
أولاك مـولاك مـجداً لا يـرام فما | أحـراك بـالغاية القصوى وأولاك |
لـجيد مـجدك أطـواق الثنا خلقت | جـل الـذي بـجلى الفضل حلاك |
طـوبى لمن شم يوماً من حماك شذا | لأن مـن جـنة الـفردوس ريـاك |
انـي لاغـبط مـخدومين قد خدما | مـثواك يـا قـدس الرحمن مثواك |
هـما لـعمر الـعلى بـدران تمهما | وحـسن حـالهما من بعض حسناك |
مـن كـالحسين وقـد أمسيت عمته | فـلو دعـوت أمـس الـناس لباك |
وبـينهم خـير أصـحاب لهم حسب | زاك ومـمدود فـضل غير مقصور |
*أدب الطف56_ 64
1- وورث ذلك منه أولاده واحفاده، فكلهم شعراء وأدباء كولديه للشيخ نصر الله والشيخ صادق وحفيديه الشيخ ابراهيم بن نصر الله والشيخ ابراهيم بن صادق وولده وغيرهم.