الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
مضيعوا حقوق الوالدين
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ *  وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُون 1.

مضيعوا حقوق الوالدين:
يدور الكلام في هذه الآيات عمن يقفون في الطرف المقابل، وهم الكافرون المنكرون للجميل والحق، والعاقون لوالديهم، فتقول: والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي 2. إلا أن أبويه المؤمنين لم يستسلما أمام هذا الولد العاق الضال، فتقول الآية: وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق غير أنه يأبى إلا أن يسير في طريق الضلالة والعناد الذي اختطه لنفسه، ولذلك نراه يجيبهما بكل تكبر وغرور ولا مبالاة: فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين، فما تقولانه عن المعاد والحساب ليس إلا خرافات وقصص كاذبة أتتكم من الماضين من قبلكم، ولست بالذي يعتقد بها وينقاد لها. إن الصفات التي يمكن أن تستخرج من هذه الآية حول هذه الفئة من الأبناء الضالين عدة صفات: عدم احترام منزلة الأبوين، والإساءة لهما، لأن  أف  في الأصل تعني كل شئ قذر، وهي تقال في مقام التحقير والإهانة3 . وقال البعض: إنها تعني الأقذار التي تجتمع تحت الأظافر، وهي قذرة ملوثة، ولا قيمة لها 4.

والصفة الأخرى هي أنهم مضافا إلى عدم إيمانهم بيوم القيامة والبعث والجزاء، فإنهم يسخرون منه ويستهزئون به، ويعدونه من الأساطير والأوهام الخرافية الباطلة. والصفة الأخرى أنهم لا أذن سامعة لهم، ولا يذعنون للحق، وقد امتلأت نفوسهم بروح الغرور والكبر والأنانية. نعم، فبالرغم من أن الأبوين الحريصين يبذلان قصارى جهودهما، وكل ما في وسعهما لإنقاذه من دوامة الجهل والغفلة، لئلا يبتلى هذا الابن العزيز بعذاب الله الأليم، إلا أنه يأبى إلا الاستمرار في طريق غيه وكفره، ويصر على ذلك، وأخيرا يتركه أبواه وشأنه بعد اليأس منه. وكما بينت الآيات السابقة ثواب المؤمنين العاملين للصالحات، فإن هذه الآيات تبين عاقبة أعمال الكافرين الضالين المتجرئين على الله، فتقول:  ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ 5، وأي خسارة أعظم من أنهم خسروا كل رأس مال وجودهم إذا اشتروا به غضب الله عز وجل وسخطه. ومن خلال المقارنة بين هذين الفريقين - أصحاب النعيم وأصحاب الجحيم - في هذه الآيات نقف على هذه الأمور: إن أولئك يطوون مدارج رشدهم وكمالهم، في حين أن هؤلاء فقدوا كل ما يملكون، فهم خاسرون. أولئك يقدرون الجميل ويشكرونه حتى من أبويهم، وهؤلاء منكرون للجميل معتدون لا أدب لهم حتى مع والديهم. أولئك مع المقربين إلى الله في الجنة، وهؤلاء مع الكافرين في النار، فكل منهم يلتحق بأمثاله ومن على شاكلته. أولئك يتوبون من الهفوات التي تصدر عنهم، ويذعنون للحق، أما هؤلاء فهم قوم طغاة عتاة متمردون، أنانيون ومتكبرون.

ومما يستحق الالتفات أن هؤلاء المعاندين يستندون في انحرافاتهم إلى وضع الأقوام الماضين وسيحشرون معهم إلى النار أيضا. أما الآية الأخيرة من هذه الآيات فإنها تشير أولا إلى تفاوت درجات كلا الفريقين، فتقول: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ 6فليس كل أصحاب الجنة أو أصحاب النار في درجة واحدة، بل إن لكل منهما درجات ومراتب تختلف باختلاف أعمالهم، وحسب خلوص نيتهم وميزان معرفتهم، وأصل العدالة هو الحاكم هنا تماما. "الدرجات" جمع درجة، وتقال عادة للسلالم التي يصعد الإنسان بتسلقها إلى الأعلى، و" الدركات" جمع درك، وهي تقال للسلم الذي ينزل منه الإنسان إلى الأسفل، ولذلك يقال في شأن الجنة: درجات، وفي شأن النار: دركات، لكن لما كانت الآية مورد البحث قد تحدثت عنهما معا، ولأهمية مقام أصحاب الجنة، ورد لفظ  الدرجات  للاثنين، وهو من باب التغليب 7. ثم تضيف الآية: وليوفيهم أعمالهم وهذا التعبير إشارة أخرى إلى مسألة تجسم الأعمال، حيث أن أعمال ابن آدم ستكون معه هناك، فتكون أعماله الصالحة باعثا على الرحمة به واطمئنانه، وأعماله الطالحة سببا للبلاء والعذاب الألم. وتقول الآية أخيرا كتأكيد على ذلك: وهم لا يظلمون لأنهم سيرون أعمالهم وجزاءها، فكيف يمكن تصور الظلم والجور؟ هذا إضافة إلى أن درجات هؤلاء ودركاتهم قد عينت بدقة، حتى أن لأصغر الأعمال، حسنا كان أم قبيحا، أثره في مصيرهم، ومع هذه الحال لا معنى للظلم حينئذ.

كيف حرفت هذه الآية من قبل بني أمية؟:
ورد في رواية أن "معاوية" أرسل رسالة إلى "مروان" - واليه على المدينة - يأمره بأخذ البيعة من الناس لابنه يزيد، وكان "عبد الرحمن بن أبي بكر" حاضرا في المجلس، فقال: يريد معاوية أن يجعل هذا الأمر هرقليا وكسرويا - ملكي الروم وفارس - إذا مات الآباء جعلوا أبناءهم مكانهم، وإن لم يكونوا أهلا لذلك، أو كانوا فساقا؟ فصاح مروان من على المنبر: صه، فأنت الذي نزلت فيه: والذي قال لوالديه أف لكما. وكانت "عائشة" حاضرة، فقالت: كذبت، وإني لأعلم فيمن نزلت هذه الآية، ولو شئت لأخبرتك باسمه ونسبه، لكن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  لعن أباك وأنت في صلبه، فأنت فضض من لعنة رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  8. أجل... ولقد كان ذنب عبد الرحمن عشقه ومحبته لأمير المؤمنين علي  عليه السلام ، وهو أمر كان يسوء بني أمية كثيرا، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإنه كان مخالفا لصيرورة الخلافة وراثية، وتبديلها إلى سلطنة، وكان يعتبر أخذ البيعة ليزيد نوعا من الانحراف نحو الكسروية والهرقلية، ولذلك أصبح غرضا لأعداء الإسلام الألداء، أي آل أمية، فحرفوا آيات القرآن فيه. وكم هو مناسب الجواب الذي أجابت به عائشة مروان بأن الله سبحانه لعن أباك إذ كنت خلفه، وهو إشارة إلى الآية  60  من سورة الإسراء حيث تقول: والشجرة الملعونة في القرآن 9.

الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - بنصرّف


1- الأحقاف.
2 - " والذي قال " مبتدأ، وخبره - باعتقاد كثير من المفسرين -  أولئك الذين . . الذي ورد في الآية التالية، ولا منافاة بين كون المبتدأ مفردا والخبر - أولئك - جمعا، لأن المراد منه الجنس. لكن يحتمل أيضا أن يكون خبره محذوفا، وتقديره الكلام: " وفي مقابل الذين مضى وصفهم الذي قال لوالديه " وفي هذه الحالة تكون الآية التالية مستقلة، كما أن آية: أولئك الذين نتقبل عنهم. . . مستقلة.
3- مفردات الراغب.
4 - أوردنا بحوثا أخرى حول معنى  أف  في سورة الإسراء، الآية 23.
5 - جملة  حق عليهم القول  إشارة إلى كلام الله الذي قاله سبحانه في عقوبة الكافرين والمجرمين، والتقدير: حق عليهم القول بأنهم أهل النار... و  في أمم  في محل حال.
6 -  من  في  مما عملو  للإبتداء - أو كما تسمى نشوية - أو بمعنى التعليل، أي: من أجل ما عملوا.
7 - " درك " - بسكون الوسط - ودرك - بفتحه - بمعنى أعمق نقطة في العمق، وجاءت - أحيانا - الدرك - بالفتحة - بمعنى الخسارة، والدرك - بالسكون - بمعنى فهم الشئ وإدراكه، لمناسبته الوصول إلى عمقه وحقيقته.
8 - أبو الفتوح الرازي في تفسيره، المجلد 10، صفحة 159، ونقل هذه الرواية بتفاوت يسير في مجلد 9، صفحة 6017.
9 - يراجع لتفسير هذه الآية ذيل الآية  60  من سورة الإسراء. وينبغي الالتفات إلى أن " مروان بن الحكم " هو ابن " أبي العاص "، وهذا بدوره ابن " أمية " أيضا.

19-04-2013 | 14-53 د | 2326 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net