بسم الله الرحمن الرحيم
يعيش إنسان القرن الواحد والعشرين حياة ملؤها الإجهاد والضغط النفسي وعدم التركيز.. وبات الحصول على فسحة من الراحة العقلية وشيئ من الخصوصية والاختلاء بالذات أمراً عزيزاً. ومن الواضح أن قسماً كبيرا من هذه النتيجة يتحمل مسؤوليتها الإنسان نفسه، والقسم الآخر يعود للحاضنة الثقافية التي بتنا نعيش في أجوائها وباتت تؤثر علينا.
إن إنسان هذا القرن بالإجمال ليس إنساناً سعيدا إذا ما أردنا أن نطبق عليه المعايير الحقيقية للسعادة، والتي من أهم سماتها الاستقرار وعدم التزلزل. فالحصول على راتب كبير والتنعم بصحة جيدة، والسكن في بيت واسع وجميل، والتنعم بالأمن والاستقرار، واستعمال أحدث أجهزة الاتصال.. إلخ، كل هذه الأمور لا تحقق سعادة حقيقية لأنها متزلزلة وغير مستقرة. وعليه، يعتبر الابتعاد عن الله عز وجل وعدم تنمية بذور الارتقاء المعنوي والروحي من أهم عوامل عدم تحقق الإنسان بالسعادة واللذة الحقيقية والمستقرة.
لقد كثرت الآلام النفسية والباطنية لإنسان هذا العصر. وما يفعله الناس في الغرب من زحفهم إلى عيادات الطب النفسي بحثاً عن علاج فعّال لآلامهم وإحباطاتهم لم يعد بعيدا من مجتمعاتنا الشرقية التي لطالما تغنت بالغنى الروحي الكامن في عادات وتقاليد أفرادها وجماعاتها.
ومن هذا الباب فلنطلّ على عامل من عوامل الاضطراب والتعب النفسي الذي بات يعاني منه الناس في الشرق والغرب على حد سواء، إنه سوسة الأجهزة الإلكترونية التي تحيط بنا والتي تسلب منّا كل فسحة من خصوصياتنا.
إن هذه الأجهزة تسلبنا التركيز على كثير من جوانب الحياة التي تعتبر أساسية ومفيدة وغنية للإنسان. لقد أضعفت هذه الأجهزة علاقة الإنسان بربه.. فتراه يتفاعل ساعات طويلة مع جهازه ولا يتفاعل لمدة ربع ساعة مع صلاة يصليها أو ذكر يؤديه. ومن المعلوم أن تقوية الارتباط بالله عز وجل وعالم الغيب من أهم عوامل اطمئنان القلب واستقرار النفس.
ومن ثم فقد ضعفت علاقات الإنسان الاجتماعية، فتقلصت مساحة التواصل بين الأرحام والأصدقاء وصار كل فرد يعيش بيئته وإطاره الخاص من خلال الجهاز الذي يحمله.. هذا عدا عن كون هذه الأجهزة والوسائط باتت تطارد الإنسان إلى فراشه، فتراه لا تغفو عينه قبل أن يتصفح بريده الإلكتروني أو وسائط التواصل المختلفة التي يحويها هاتفه الذكي. بل إن هذه المشتتات زحفت إلى العطلة التي تُختصر وظيفتها بإراحة حواس وأعضاء وعقل الإنسان من الإجهاد والتركيز، حيث يكون الإنسان قد أنهى للتو أسبوعا حافلا بالضجيج والرنين والعمل المضني.
إن هذا التشتيت المتواصل والذي يحيط بالإنسان من كل ناحية هو أحد المساهمين الرئيسيين في ارتفاع معدلات اضطراب النوم والقلق والضغط الذي قد يتحول بعد حين إلى مشكلة عضوية ترافقه إلى حين مماته. وعلى الإنسان إذا ما أراد أن يعيش حياة مستقرة وسعيدة أن يحقق التوازن في سلوكه، وأن يضع حدودا لاجتياح هذه الأجهزة لحياته وخصوصياته.. وأقول يضع حدوداً، لا أن يقصيها تماماً، لأن على الإنسان أيضاً أن لا يعيش خارج فلك زمانه وعصره.. وبالتالي، التوازن هو العلاج الأمضى لهذه الإشكالية..
فرع إعداد المواد في موقع المنبر