لمدينة قم جذابية أخرى وهي أن المتدينين السياسيين والسياسيين المتدينين كانوا يعتصمون أحياناً عند ضريح السيدة المعصومة سلام الله عليها، احتجاجاً على بعض السياسات الجارية، أو يأتون للزيارة. فكانت هذه التجمعات فرصة مواتية ليتعرف على السياسيين المعاصرين له. ويبدو أنه تعرف على الشهيد المدرس في زاوية من زوايا الحرم في إحدى زياراته.
كان رجلاً دؤوباً نشطاً، وأحد القلائل الذين كانوا ينظرون من منظار الدين إلى القضايا الجارية في المجتمع، ومن العلماء الذين أضفوا على السياسة سمعة طيبة. وكان أحد الخمسة الذين تم اختيارهم بالقرعة من بين عشرين عالماً من علماء الدين، تم ترشيحهم من قبل آية الله العظمى الخراساني وآية الله العظمى المازندراني، إلى عضوية مجلس الشورى الوطني، ليشرفوا على قراراته كي لا تتضمن ما يعارض الشرع. وحين كان ينادي المنادون في مدينة خمين معلنين قدوم الدستور، ولا يعلم روح الله البالغ من العمر أربع سنوات، معنى ذلك جيداً، كان هذا الرجل من دعاة الدستور ويدافع عنه بقوة في أصفهان. وبعد انقضاء الدورة الأولى للمجلس، انتخب للدورة الثانية حيث كان روح الله يذهب إلى المدرسة.
وبعد الدورة الثانية انتخبه أهالي طهران خمس مرات أخرى لعضوية المجلس. ولكنهم لم يقرأوا الأصوات التي حصل عليها في انتخابات الدورة السابعة، فقال ساخراً: "لقد صوتُّ أنا لنفسي فلماذا لم يقرأوا ذلك الصوت؟".
والآن يمضي هذا الرجل دورته الرابعة في المجلس كنائب لأهالي طهران. ويعرفه جيداً معظم السياسيين الانجليز والروس، لأن بعض عباراته القصيرة تجاوزت حدود البلاد.
رجل لا تبدو الوسامة كثيراً على محياه، ولكنه جميل المحيا في السياسة، ضعيف ونحيف ولكنه محنك. انتقاداته الساخرة لاذعة. أصيب بالملاريا في شبابه. وحينما تأخذه الرعشة يقول: "أريد أن ارتعش كثيراً، فدعوني وشأني".. فإذا كان الجو مشمساً غطى رأسه بعباءته وجلس تحت أشعة الشمس يرتعش. وحين يأتي إلى الحرم يشير إليه الزوار بالبنان.
والآن يعرفه السيد روح الله باسمه وربما شاهد صورته في الصحف. ولذلك يعتبر الحديث مع مثل هذا الرجل، بصفته عالم دين ورجل سياسة مشهوراً، أمراً مهماً للغاية، لا سيما بالنسبة لطالب شاب يتطلع لأن يصبح عالم دين ويولي اهتماماً للمصير السياسي للشعب. علماً أن هذا الأمر يعتبر شيئاً جميلاً قبل أن يكون مهماً.
وليس معلوماً كيف جرى التعارف، ولكن على أية حال تعرف السيد روح الله، ذو التسعة عشر عاماً، على رجل يقف على عتبة الخمسين من عمره، قضى نصفه في المعترك السياسي. وكان الشهيد المدرس قد تعرف على السيد مصطفى مذ كانا يدرسان معاً في أصفهان، ويشعر الآن بالسرور وهو يلتقي ابنه، ولن يتوانى أو يبخل عن تعليمه فن السياسة.
الخميني روح الله ـ سيرة ذاتية