الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتيجب أن نكون من أهل البصائر ومن الصابرين كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء القيّمين على مؤتمر إحياء ذكرى شهداء محافظة أصفهانفَمَا وَهَنُوا وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا

العدد 1646 08 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 10 كانون الأول 2024 م

وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ

العدد 1645 01 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 03 كانون الأول 2024 م

الجهاد ذروة سنام الإسلام

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع التعبويّين، بمناسبة حلول أسبوع التعبئةإنَّ ‌اللهَ مَعَ الصّابِرينمراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات
قارون وجنون الثروة
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم


يقول تعالى حول شخصية قارون: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ1.

المعروف أن أصحاب الثروة يبتلون بأنواع الجنون... وواحد منها "جنون عرض الثروة وإظهارها" فهؤلاء يشعرون باللذة عندما يعرضون ثروتهم على الآخرين، وحين يعبرون على مركب غال وثير ويمرون بين حفاة الأقدام فيتصاعد الغبار والأتربة لينتشر على وجوههم، ويحقرونهم بذلك، فحينئذ يشعرون بالراحة النفسية والنشوة تدغدغ قلوبهم.. وبالرغم من أن عرض الثروة هذا غالبا ما يكون سببا للبلاء عليهم، لأنه يربي الأحقاد في الصدور ويعبئ الحساسيات ضده، وكثيرا ما ينهي هذا العمل الردئ حياة الإنسان، أو يزيل ثروته مع الريح! ولعل هذا الجنون يحمل هدفا من قبيل اغراء الطامعين وتسليم الأفراد المعاندين ولكن الأثرياء غالبا ما يقومون بهذا العمل دون هدف، لأنه نوع من الهوى والهوس وليس خطة أو برنامجا معينا. وعلى كل حال فإن قارون لم يكن مستثنى من هذا القانون، بل كان يعد مثلا بارزا له، والقرآن يتحدث عنه في جملة موجزة في بعض آياته فيقول: فخرج على قومه في زينته. أمام قومه من بني إسرائيل. والتعبير ب‍"في زينته" ناطق عن هذه الحقيقة، وهي أنه أظهر جميع قدرته وقوته ليبدي ما لديه من زينة وثروة. ومعلوم طبعا إن رجلا بهذه المثابة من الثروة ماذا يستطيع أن يفعل!؟ وينقل في التاريخ - في هذا الصدد قصص كثيرة - مقرونة بالأساطير أحيانا، فإن بعضهم يكتب أن قارون خرج في استعراض كبير، وقد أركب أربعة آلاف نفر على أربعة آلاف فرس حمر "غالية القيمة" مغطاة بالقماش الفاخر، وقد ملأها زينة من الذهب والجواهر الأخرى، فمر بهذا الاستعراض على بني إسرائيل.. وقد أثار هذا المنظر الناس، إذ رأوا أربعة آلاف من الخدم أبيض يلبسون ثيابا حمرا مع زينتهم. وقال بعضهم: بل بلغ عدد هؤلاء "الخدم والحشم" سبعة آلاف نفر، وذكروا أخبارا أخرى في هذا الصدد. ولو فرضنا أن كل ذلك مبالغ فيه، إلا أنه لا يمكن إنكار هذه الحقيقة، وهي أن قارون لديه ثروات مهمة أظهرها في زينته! هنا أصبح الناس طائفتين - بحسب العادة فطائفة وهم الأكثرية - من عبدة الدنيا - أثارهم هذا المشهد، فاهتزت قلوبهم وتأوهوا بالحسرات وتمنوا لو كانوا مكان قارون ولو يوما واحدا ولو ساعة واحدة وحتى ولو لحظة! واحدة... فأية حياة عذبة جميلة هذه الحياة التي تهب اللذات والنشاط... قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم. هنيئا لقارون ولثروته العظيمة! وما أعظم جلاله وعزته.. ولا نظن في التاريخ أحدا أعطاه الله ما أعطى قارون.. وما إلى ذلك من الكلمات. وهنا جاء دور الامتحان الإلهي العظيم فمن جانب نجد قارون عليه أن يؤدي امتحانه في غروره وطيشه! ومن جانب آخر من بهرهم مشهده الذين أحاطوا به - من بني إسرائيل - وبالطبع فإن العقاب الأليم هو العقاب الذي سيقع بعد هذا العرض المثير، وهو أن يهوي قارون من أوج العظمة إلى قعر الأرض إذ تنخسف به الأرض على حين غرة! لكن أمام هذه الطائفة التي ذكرناها آنفا طائفة أخرى من العلماء والمتقين الورعين، سمت آفاقهم عن مثل هذه المسائل، وكانوا حاضرين حينئذ و "المشهد" يمر من أمامهم. هؤلاء الرجال لا يقومون الشخصية بالذهب والقوة، ولا يبحثون عن القيم في الأمور المادية. لا تبهرهم هذه المظاهر، بل يسخرون منها ويتبسمون تبسم استهزاء وازدراء! ويحقرون هذه الرؤوس الفارغة. فهؤلاء كانوا هناك، وكان لهم موقف آخر من قارون، وكما يعبر عنهم القرآن وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ثم أردفوا مؤكدين ولا يلقاها إلا الصابرون. أولئك الذين لا تهزهم زخارف الدنيا وزبارجها، ويقفون في استقامة - برجولة وشهامة - امام الحرمان، ولا يطأطئون رؤوسهم للأراذل ويقفون كالجبال الرواسي في الامتحان الإلهي - امتحان الثروة والمال والخوف والمصيبة... وهؤلاء هم الجديرون بثواب الله سبحانه! ومن المسلم به أنه المقصود بجملة الذين أوتوا العلم هم علماء بني إسرائيل، ومن بينهم "يوشع" وهو من كبار رجالهم. غير أن الطريف في الأمر أن القرآن عبر عن الطائفة الأولى بجملة الذين يريدون الحياة الدنيا لكنه لم يعبر عن الطائفة الثانية بأنهم "الذين يريدون الحياة الآخرة" بل عبر عنهم ب‍الذين أوتوا العلم فحسب، لأن العلم هو أساس كل شئ وجذر الإيمان والاستقامة والعشق للثواب الإلهي والدار الآخرة.. كما أن التعبير ب‍الذين أوتوا العلم هو جواب دامغ - ضمنا - لقارون الذي يدعي العلم، فالقرآن يريد أن يبين أن العلماء هم هؤلاء الذين لا يريدون الحياة الدنيا، أما أنت يا قارون فمغرور وطائش! وهكذا نرى مرة أخرى أن أساس البركات والخيرات هو العلم الحقيقي. لقد أوصل قارون بعمله هذا طغيانه وعناده إلى الدرجة القصوى، غير أن ما ورد في التواريخ حكاية منقولة عن قارون تدل على منتهى الخسة وعدم الحياء! ننقلها هنا حسب تفصيلها! فقال له موسى عليه السلام إن الله أمرني أن آخذ الزكاة فأبى فقال: إن موسى يريد أن يأكل أموالكم جاءكم بالصلاة وجاءكم بأشياء فاحتملتموها فتحتملوه أن تعطوه أموالكم؟ قالوا: لا نحتمل فما ترى؟ فقال لهم: أرى أن أرسل إلى بغي من بغايا بني إسرائيل فنرسلها إليه فترميه بأنه أرادها على نفسها فأرسلوا إليها فقالوا لها: نعطيك حكمك على أن تشهدي على موسى أنه فجر بك قالت نعم. فجاء قارون إلى موسى عليه السلام قال: أجمع بني إسرائيل فأخبرهم بما أمرك ربك قال: نعم، فجمعهم فقالوا له: بم أمرك ربك؟ قال: أمرني أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تصلوا الرحم وكذا وكذا وقد أمرني في الزاني إذا زنى وقد أحصن أن يرجم. قالوا: وإن كنت أنت؟ قال: نعم. قالوا: فإنك قد زنيت، قال: أنا؟ فأرسلوا إلى المرأة فجاءت فقالوا: ما تشهدين على موسى؟ فقال لها موسى عليه السلام أنشدتك بالله إلا ما صدقت. قالت: أما إذا نشدتني فإنهم دعوني وجعلوا لي جعلا على أن أقذفك بنفسي وأنا أشهد أنك برئ وأنك رسول الله. فخر موسى عليه السلام ساجدا يبكي فأوحى الله إليه: ما يبكيك؟ قد سلطناك على الأرض فمرها فتطيعك، فرفع رأسه فقال: خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى فقال: خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى فقال: خذيهم فغيبتهم فأوحى الله: "يا موسى سألك عبادي وتضرعوا إليك فلم تجبهم فوعزتي لو أنهم دعوني لأجبتهم". يقول القرآن الكريم في هذا الصدد فخسفنا به وبداره الأرض. أجل حين يبلغ الطغيان والغرور وتحقير المؤمنين الأبرياء والمؤامرة ضد نبي الله أوجها، تتجلى قدرة الله تعالى وتطوي حياة الطغاة... وتدمرهم تدميرا يكون عبرة للآخرين. مسألة "الخسف" هنا التي تعني انشقاق الأرض وابتلاع ما عليها، حدثت على مدى التاريخ عدة مرات.. إذ تتزلزل الأرض ثم تنشق وتبتلع مدينة كاملة أو عمارات سكنية داخلها، لكن هذا الخسف الذي حدث لقارون يختلف عن تلك الموارد.. هذا الخسف كان طعمته قارون وخزائنه فحسب! يا للعجب! ففرعون يهوي في ماء النيل! وقارون في أعماق الأرض! الماء الذي هو سر الحياة وأساسها يكون مأمورا بهلاك فرعون. والأرض التي هي مهاد الاطمئنان والدعة تنقلب قبرا لقارون واتباعه! ومن البديهي أن قارون لم يكن لوحده في ذلك البيت فقد كان معه أعوانه وندماءه ومن أعانه على ظلمه وطغيانه، وهكذا توغلوا في أعماق الأرض جميعا. فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين... فلم يخلصه أصدقاؤه، ولا الذين كانوا يحملون أمتعته ولا أمواله ولا أي أحد من عذاب الله، ومضى قارون وأمواله ومن معه في قعر الأرض! أما آخر آية - محل البحث - فتحكى عن التبدل العجيب لأولئك الذين كانوا يتفرجون على استعراض قارون بالأمس ويقولون: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون، وما شابه ذلك! وإذا هم اليوم يقولون: واها له، فإن الرزق بيد الله فأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الزرق لمن يشاء من عباده ويقدر. لقد ثبت عندنا اليوم أن ليس لأحد شئ من عنده! فكل ما هو موجود فمن الله، فلا عطاؤه دليل على رضاه عن العبد، ولا منعه دليل على تفاهة عبده عنده! فالله تعالى يمتحن بهذه الأموال والثروة عباده أفرادا وأقواما، ويكشف سريرتهم ونياتهم. ثم أخذوا يفكرون في ما لو أجيب دعاؤهم الذي كانوا يصرون عليه، وأعطاهم الله هذا المال، ثم هووا كما هوى قارون، فماذا يكون قد نفعهم المال؟ لذلك شكروا الله على هذه النعمة وقالوا: لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون. فالآن نرى الحقيقة بأعيننا، وعاقبة الغرور والغفلة ونهاية الكفر والشهوة! ونعرف أن أمثال هذه الحياة المثيرة للقلوب بمظاهرها الخداعة، ما أوحشها! وما أسوأ عاقبتها! ويتضح من الجملة الأخيرة في هذه القصة - ضمنا - أن قارون المغرور مات كافرا غير مؤمن، بالرغم من أنه كان يعد عارفا بالتوراة قارئا لها، وعالما من بني إسرائيل ومن أقارب موسى.

* الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل


1- سورة القصص، آية 79.

14-08-2013 | 09-22 د | 2634 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net