بسم الله الرحمن الرحيم
قد قيل وكُتب ونُشر وقُرّر: أنّ نظريّة الشورى المتبعة عند أهل السنّة، ولو على الصعيد النظري عندهم ـ وإلاّ على الصعيد العملي قلّما شاهدنا عند أبناء الطوائف الإسلاميّة السنيّة في حكوماتهم منذ العهد الأول إلى يومنا هذا، قلّما شاهدنا تطبيقاً صحيحاً ودقيقاً للشورى ـ قيل بأنّها تطابق نظريّة الديمقراطيّة تقريباً الموجودة في العصر الحديث في جملة من جوانبها، لا كلّ جوانبها; لأنّ من جوانب الديمقراطيّة المطروحة الحديثة أو الليبراليّة عدم التقيّد بديانة خاصّة أو عدم التقيّد حتى برسوم أخلاقيّة، وهذا طبعاّ لا يتفق مع نظرية الشورى عند المذاهب الإسلاميّة.
لكن الجوانب المتّفقة، وهي نحو مشاركة الأكثريّة، أو حاكميّة الأكثريّة في إدارة الحكم في جانب القوّة التنفيذيّة، أو اختيار الحاكم الوالي، فنظريّة الشورى شأنها شأن بقيّة المدارس الديمقراطيّة أيضاً، أخذت في الاختلاف في التصوير والصياغة: أنّه هل الشورى بمعنى مشاركة كلّ الناس، أو بمعنى أنّ الناس ينتخبون أهل الحلّ والعقد، وأهل الحلّ والعقد ـ يعني النخبة ـ هم ينتخبون الحاكم، أو أنّه لا دور للناس؟
ولعلّ الأشهر عند علماء أهل السنّة والجماعة أنّ الشورى هي المشورة عند النخبة، عند أهل الحلّ والعقد، ونخبويّة هذه النخبة ليست بانتخاب وباستصواب عامّة الناس، بل الشور والشورى يدور في دائرة النخبة، والنخبة تتّصف بهذه الصفة بتبع تحلّيها بصفات معيّنة، وكفاءات معيّنة مؤهلة لها وعلميّة، ثمّ حينئذ يقوم الانتخاب في تلك الدائرة الضيقة، وبعبارة أُخرى هي تنتخب الحاكم.
طبعاً هذا الطرح من نظريّة الشورى لا نستطيع حينئذ أن نطابقه ونوازيه مع الطرح الديمقراطي الغربي المطروح الآن، فهذا القول الأشهر لدى علماء العامّة لا يصبّ في مصبّ الديمقراطيّة في اللون العامّ لها، نعم الأقوال الأُخرى في نظريّة الشورى من أنّها حاكميّة الأكثريّة، وهي التي تنتخب أهل الحلّ والعقد، ثمّ أهل الحلّ والعقد ينتخبون الحاكم، هذه قد تتوافق مع بعض الصياغات في الديمقراطيّة.
والمهم أنّ المؤشّر المميّز لنظريّة الشورى لا أقل في عدّة من أقوالها وصياغاتها، أنّها تتقارب مع نظريّة الديمقراطيّة الغربيّة المطروحة الآن من جهة مشاركة الأكثريّة، ولكن فيها مفارقات عديدة كما ذكرنا:
منها: أنّ الحاكم عندما يُنتخب لا تجوز معارضته أو خلعه، بينما في النظريّة الديمقراطيّة ليس هناك تنصيب مطلق غير قابل للزوال.
ومن الاختلافات الأُخرى أيضاً: أنّ في النظريّة الديمقراطيّة هناك ربما مجال للمعارضة بشكل أوسع لأشكالها المختلفة، بينما في نظريّة الشورى لدى العامّة فإنّ باب المعارضة والرقابة الشعبيّة على الحاكم تكاد تكون ضئيلة جدّاً، ويكاد يرسم للفرد أو للجماعات في ظلّ حكومة الحاكم دور ضئيل خجول، يضيّقون مجال المعارضة أو النقد أو الرقابة بشكل ضئيل جدّاً.
فمن ثمّ نستطيع أن نقول: إنّ هناك مفارقات كثيرة بين الديمقراطيّة الغربيّة المطروحة، ونظريّة الشورى بالشكل المرسوم عند العامّة، حتى على القول بأنّ القاعدة الشعبيّة لها دور في الانتخاب.
* آية الله الشيخ محمد سند